قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ﴾ الآية.
لما قال : ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين وقال :" فانظر كيف كان عاقبة المنذرين " أبتعه بشرح وقائع الأنبياءَ - عليهم (الصلاة و) السلام - فقال :" وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ " أي نادى ربه أن ينجيه مَعَ من نَجْا من الغَرق، وقيل : نادى ربه أي اسْتَنْصَرهُ على كفار قومه، فأجاب الله دعاءه.
قوله :﴿فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾ جواب لقسم مقدر أي فوالله ومثله : ٤٢١٧ - لَعَمْرِي لَنِعْمَ السَّيِّدَانِ وُجدتُمَا
......................
والمخصوص بالمدح محذوف تقديره أي نَحْنُ أجَبْنَا دُعَاءه وأهلكنا قومه ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ واعلم أن هذه الإجابة كانت من النعم العظيمة وذلك من وجوه : أحدهما : أنه تعالى عبر عن ذاته بصيغة الجمع فقال :﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ﴾ والقادر العظيم لا يليق به إلا الإحسان العظيم.
وثانيها : أنه أعاد صيغة الجمع في قوله : فلنعم المجيبون (من ذلك أيضاً يدل على تعظيم تلك النعمة لا سيما وقد وصف تلك الإجابة بأنها نعمة الإجابة.
وثالثها : أن الفاء في قوله :﴿فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾ يدل على أن محصول هذه الإجابة
٣١٨
مرتب على ذلك النداء والحكم المرتب على الوصف المناسب يقتضي كونه معلّلاً به وهذا يدل على أن النداء بالإخلاص سبب لحصول الإجابة ثم إنه تعالى لما بين أنه نعم المجيب بين أن الإنعام حصل في تلك الإجابة بقوله :﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ والكرب : هو الخوف الحاصل من الغَرَقِ والكَرْب الحاصل من أذى قومه ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ وذلك يفيد الحصر وذلك يدل على أن كل من سواه وسوى ذريته فقد فَنَوْا، قال ابن عباس : ذريته بنوه الثلاثة سام وحام ويافث.
فسام أبو العرب وفارس وحام أبو السودان ويافث أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج قال ابن عباس : لما خرج نوح من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء وإلا ولدَه ونسَاءَهُمْ.
قوله :﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ﴾ أي أبقينا له ثناءً حَسَناً وذكراً جميلاً فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة.
قوله :﴿سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ﴾ مبتدأ وخبر، وفيه أوجه : أحدهما : أنه مفسر " لِتَرَكْنَا ".
والثاني : أنه مفسر لمفعوله، أي تركنا عليه ثناءً وهو هذا الكلام وقيل : ثَمَّ قول مقدر أي فَقُلْنَا سلامٌ.
وقيل : ضمن تركنا معنى قلنا، وقيل : سلط " تركنا " على ما بعده قال الزمخشري : وتركنا عليه في الآخرين " هذه الكلمة " وهي " سَلاَمٌ عَلَى نَوح " يعني يسلمون عليه تسليماً ويَدْعُونَ لَهُ، وهو من الكلام المحكيِّ كقولك :" قَرَأتُ سورة أَنْزَلْنَاهَا ".
٣١٩
وهذا الذي قاله قولُ الكوفيين جعلوا الجملة في محل نَصْب مفعولاً بتركنا لا أنه ضمن معنى القول بل و على معناه بخلاف الوجه قبله.
وهذا أيضاً من أقوالهم وقرأ عبد الله " سلاماً " وهو مفعول به " بتَرَكْنَا " و " كَذَلِكَ " نعت مصدر أو حال من ضمير كما تقدم تحريره.
فصل المعنى : سلامٌ عليه في العالمين، وقيل : تركنا عليه في الآخرين أن يُصَلَّى عليه إلى يوم الدين ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين﴾ أي إنما خصَّصْنا نوحاً - عليه (الصلاة و) السلام - بهذه التشريفات الرفيعة من جعل الدنيا مملوءة من ذريته ومن تبقية ذِكْرِهِ الحَسَنِ في ألسنة العالمين لأجل كونه محسناً، ثم علل كونه محسناً بأنه كان عبداً مؤمناً.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣١٨
القصة الثانية : قصة إبراهيم - عليه (الصلاة و) السلام - قوله تعالى :﴿وَإِنَّ مِن
٣٢٠
شِيعَتِهِ﴾
أي من أهل دينه وسنته وفي الضمير وجهان : أظهرهما : أنه يعود على " نوح " أي ممن كان يشايعه أي يتبعه على دينه والتصلب في أمر الله.
الثاني : أنه يعود على محمد - ﷺ - وهو قول الكلبي والشيعة قد تطلق على المتقدم كقوله : ٤٢١٨ - وَمَا لِي إلاَّ آلَ أَحْمد شِيعَةٌ
وَمَا لِي إلاَّ مِشْعَبَ الْحَقِّ مِشْعَبُ


الصفحة التالية
Icon