و " باليَمِينِ " متعلق " بضَرْباً " إن لم تجعله مؤكداً وإلا فلعامله واليمين يجوز أن يراد بها إحدى اليدين وهو الظاهر وأن يراد بها القوة، فالباء على هذا للحال أي ملبساً بالقوة، وأن يراد بها الحَلِف وفاءً، بقوله :﴿وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾ [الأنبياء : ٥٧] والباء على هذا للسبب وعدي " راغ " الثاني " بعلى " لما كان مع الضرب المستولي عليهم من فوقهم إلى أسفلهم بخلاف الأول فإنه مع توبيخ لهم، وأتى بضمير العقلاء في قوله :" عَلَيْهِمْ " جرياً على ظن عبدتها أنها كالعُقَلاَءِ.
قوله (تعالى) :﴿يَزِفُّونَ﴾ حال من فاعل " أقْبَلُوا " و " إلَيْهِ " يجوز تعلقه بما قبله أو بما بعده، وقرأ حمزة يُزِقُّونَ بضم الياء من أَزَفَّ وله معنيان : أحدهما : أنه من أزف يُزِفّ أي دخل في الزفيف وهو الإسراع، أو زِفاف العَرُوس، وهو المشى على هَيْئَةٍ ؛ لأن القوم كانوا في طمأنينة من أمرهم، كذا قيل.
وهذا الثاني ليست للتعدية.
والثاني : أنه من أزَفَّ غَيْرَهُ أي حمله على الزفيف وهو الإسراع، أو على الزِّفَاف، وقد تقدم ما فيه، وباقي السبعة بفتح الياء من زفَّ الظليمُ يَزِفُّ أي عَدَا بسُرعة وأصل الزفيف للنعام وقرأ مجاهد وعبد الله بن يزيد والضحاك وابن أبي عبلة : يَزِفُونَ من وَزَفَ يَزِفُ أي أسرع إلا أنَّ الكِسائيِّ والفراءَ قالا لا نعرفها بمعنى زَفَّ وقد عرفها غيرهما، قالم جاهد - وهو بعض من قرأ بها - : الوزيفُ
٣٢٥
النسلان، وقرئ : يُزَقُّونَ مبنياً للمفعول ويَزْفُونَ كَيرمُونَ من زَفَاهُ بمعنى حداه كأن بعضهم يَزْفُو بعضاً لتسارعهم إليه، وبين قوله :﴿فَأَقْبَلَوا﴾ وقوله ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ﴾ جمل محذوفة يدل عليها الفَحْوى أي فبلغهم الخبر، فرجعوا من عيدهم ونحو هذا.
قال ابن عرفة : من قرأ بالنصب فهو من زَفّ يَزِفُّ (ومن قرأ بالضم فهو من : أَزَفَّ يزف) قال الزجاج : يَزِفُون بسرعون، وأصله من زفيف النعامة وهو من أشدّ عَدْوِهَا.
قوله :﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ لما عابتوا إبراهيمَ على كسر الأصنام ذكر لهم الدليل الدال على فساد عباتها فقال :﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (*) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ ووجه الاستدلال : أن الخشب والحجر قبل النحت والإصلاح ما كان معبوداً البتة فإذا نحته وشكله على الوحه المخصوص لم يحدث فيه الآثار تصرفه فلو صار معبوداً عند ذلك لكان معناه أن الشيء الذي لم يكن معبوداً إذا حصلت آثارُ تَصَرُّفَاتِهِ فيه صار معبوداً (إلى (ذلك)) وفساد ذلك معلوم ببديهة العقل.
قولهك ﴿وَمَا تَعْمَلُون﴾ في " ما " هذه أربعة أوجه : أجودها : أنها بمعنى الذي أي وخلق الذي تصنعونه، فالعمل هنا التصوير والنحت نحو : عمل الصانع السِّوار الذي صَاغَه.
ويرجح كونها بمعنى الذي تقدم " ما " قبلها فإنها بمعنى الذي أي أتعبدون الذي تنحتون والله خلقكم الذي تعملونـ(ـه) بالنحت.
٣٢٦
والثاني : أنها مصدرية أي خلقكم وأعمالكم، وجعلها الأشعريَّة دليلاً على خلق أفعال العباد لله تعالى وهو الحق، إلا أن دليل من هنا غير قوي لما قتدم من ظهور كونها بمعنى الذي، قال مكي : يجب أن تكون ما والفعل مصدراً جيء به ليفيد أن الله خالقُ الأشياء كلها.
وقال أيضاً : وهذا أليق لقوله :﴿مِن شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ [الفلق : ٢] أجمع القراء على الإضافة فدل على أنه خالق الشر وقد فَارَقَ عمرو بنُ عُبَيد الناس فقرأ مِنْ شَرِّ بالتنوين ليثبت مع الله خالقين، وشنع الزمخشري على القائل هنا بكونها مصدريةً.
والثالث : أنها استفهامية وهو استفهام توبيخ، أي :(و) أيُّ شَيْءٍ تَعْمَلُونَ ؟ الرابع : أنها نافية، أي أن العمل في الحقيقة ليس لكم فأنتم (لا) تعملون شيئاً، والجملة من قوله :﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ﴾ حال ومعناها حسن أي أتبعدون الأصنام على حالة تُنَافِي ذلك وهي أن الله خالقكم وخالقهم جميعها، ويجوز أن تكون مستأنفة.
فصل دلت الآية على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى لأن النحويين اتفقوا على أن لفظ (ما) مع ما بعده في تقدير المصدر فقوله :﴿وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ معناه وعملكم، وعلى هذا فيصير معنى الآية : والله خلقكم وخلق عملكم.
فإن قيل : هذه الآية حجة عليكم من وجوه : الأول : أنه تعالى قال :﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ أضاف العبادة والنحت إليهم إضافة
٣٢٧