من نيل مصر ثم إلى بحر فارس ثم إلى (بَحْرٍ) البطائح، ثم دجلة فصعدت به ورمته في أرض نَصِيبِينَ بالعَرَاء، وهوكالفَرْخ المَنتُوفِ لا شَعْرٌ ولا لَحْمٌ فأنبت الله عليه شجرةً من يَقْطين فكان يتسظل بها ويأكل من ثمرها حتى اشتد.
ثم إنَّ الأَرَضَـ(ـةَ) أكلتها فحَزِنَ يونُس لِذَلِكَ حُزْناً فقال يا رب كنت أستظل تحت هذه الشجرة من الشمس والرِّيح وأَمُصُّ من ثمرها وقد سقطت فقيل (له) : يا يونس تحزن (على شجرة) أَنْبَتَت في ساعة واقْتُلِعَتْ في ساعة ولا تحزن على مائة ألفٍ أو يزيدون تركتهم فانطلقُ إليهم.
قوله :﴿فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ من الذاكرين الله قبل ذلك وكان كَثير الذِّكْر، قال ابن عباس : من المصلين وقال وهب : من العابدين.
وقال الحسن : ما كنت له صلاة في بطن الحوت ولكن قَدَّمَ عَملاً صالحاً.
وقال سعيد بن جبير هو قوله في بطن الحوت :" لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كمنت من الظالمين ".
قوله :﴿فِي بَطْنِهِ﴾ الظاهر أنه متعلق " بلَبِثَ " وقيل : حال أي مستقر وكان بَطْنه قبراً له إلَى يَوْمِ القيامة، قال الحسن : لم يلبث إلا قليلاً ثم أُخْرِجَ من بطن الحوت.
وقال بعضهم : التقمة بكرة ولَفظَهُ عشيا وقال مقاتل بن حَيَّانَ ثلاثة أيام، وعن عطاء : سبعة أيام، وعن الضحاك، عشرون يوماً.
وقيل : شهر، وقيل : أربعين يوماً.
قال ابن الخطيب : ولا أدري بأي دليل عينوا هذه المقادير وروى أبو بردة عن النبي - ﷺ - أن قال : سَبَّحَ يُونُسُ في بطن الحوت فسَمِعَت الملائكةُ تسبيحه فقالوا ربنا إنا نسمع صوتاً بأرض غريبة فقال ذاك عبدي يونس عَصَانِي فحَبَسْتُهُ في بطن الحُوتِ في البَحْر، قالوا : العبدُ الصالح الذي كان يصيعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح قال : نعم فشفعوا له فأمر الحوت فقذفه بالساحل.
وروي أن يونس لما ابتلعه الحوت ابتلغ الحوتَ حوتٌ آخرُ أكبرُ منه فلما استقر في جَوْف الحُوت حسب أنه قد مات فحرك جوارحه فتحركت فإذا هي حَيٌّ فَخرَّ ساجداً وقال : يار رب اتخذت لك مسجداً لم يعبدك أحد في مثله.
قوله :﴿فَنَبَذْنَاهُ﴾ أضاف النبذ إلى نفسه مع أن ذلك النبذ إنما حصل بفعل الحوت وهذا يدل على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى وقوله :﴿بِالْعَرَآءِ﴾ أي في العراء نحو : زَيْدٌ بِمَكَّةَ.
٣٤٦
والعراء : الأرض الواسعة التي لا نباتَ بها و مَعْلَم اشتقاقاً من العُري وهو عدم السُّترة وسميت الأرض الجرداء بذلك لعدم استتهارها بشيء والعَرَى بالقصر الناحية ومنه اعْتَرَاهُ أي قصد عَرَاهُ.
وأما الممدود فهو كما تقدم الأرضُ الفَيْحَاءُ قال : ٤٢٢٥ - وَرَفَعْتُ رِجْلاً لاَ أَخَافْ عِثَارَهَا
ونَبَذْتُ بالمَتْنِ العَرَاءِ ثِيَابِي
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣٤٣
قوله :﴿وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ﴾ أي له، وقيل : عنده ﴿شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ﴾ اليقطين (يَـ)ـفْعِيلٌ من قَطَنَ بالمكان إذا أقام فيه لا يَبْرَحُ قال المبرد والزجاج : اليقطينُ كل ما لم يكن له ساقٌ من عُود كالقِثَّاءِ والقَرْع والبَطِّيخِ والحَنْظَلِ وهو قوله الحسن و (قتادة)، ومقاتل.
قال البغوي : المراد هنا القرع من بين الشجر يقطيناً كل ورقة اتسعت وسترت فهي يقطين ".
واعلم أن في قوله :" شجرة " ما يرد قول بعضهم أن الشجرة في كلامهم ما كان لها ساق من عود بل الصحيحُ أنها أعم، ولذلك بُيِّنَتْ بقوله :" مِنْ يَقْطين "، وأما قوله :﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾ [الرحمن : ٦] فلا دليل فيه لأنه استعمال اللفز العام في أحد مدلولاته.
وقيل : بل أنبت الله اليقطين الخاص على ساق معجزةً له، فجاء على أصله قال الواحدي : الآية تقتضي شيئين لم يذكرهما المفسرون :
٣٤٧