وبهذا يتبين ضعف قول الراغب : إنها من ذَواتِ اليَاء حيث عدها في مادة سيح، ثم قال : الساحة المكان الواسع ومنه : ساحة الدر.
والسائح الماء الجري في الساحة،
٣٥٩
وسَاحَ فلانٌ في الأرْض مَرَّ مَرَّ السائح.
ورجل سَائِحٌ وَسيَّاح انتهى.
ويحتمل أنْ يَكثون لها مادَّتَانِ لكن كان ينبغي أن يذكر ما هي الأشهر أو يذكرهما معاً.
قوله تعالى :﴿فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ﴾ يعني العذاب بساحَتِهِمْ، قال مقاتل : بحَضْرَتِهِمْ وقيل : بعِتابهم.
قال الفراء : العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم ﴿فَسَآءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ فبئس صَبَاح الكَافرين الذين أُنْذِرُوا بالعذاب.
لما خرج - عليه (الصَّلاَةُ و) السلام - إلى خَبيْبَرَ أتاها ليلاً، وكان إذا جَاء قوماً بلَيْلٍ لم يَغْزُ حتى يُصْبحَ فلما أصبح خرجت يهودُ (خَيْبَرَ) بمَسَاحِيها ومَكَاتِلِهَا، فلما رأوه قالوا : مُحَمَّد واللَّهِ مُحَمَّد والخميس فقال رسول الله ﷺ :" اللَّهُ أكبرُ خَرِبَتُ خَيْبَر إنَّا إذا نَزَلْنَا بسَاحَةِ قوْمِ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ".
قوله :﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ قيل : المراد من هذه الكلمة فيما تقدم أحوال الدنيا وفي هذه الكلمة أحوال القيامة وعلى التقديرين فالتكرير زائل، وقيل : المراد من التكرير المبالغة في التَّهديد والتَّهْويلِ.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله أولاً :" وَأَبْصِرهُمْ " وههنا قال :" وَأَبْصِرْ " بغير ضمير ؟ فالجواب أنه حذف مفعول " أبصر " الثاني إمَّا اختصراً لدلالة الأولى عليه وما اقتصار تقنُّناً في البلاغة ثمَّ إنَّهُ تعالى ختم السورة بتنزيه نفسه عن كل ما لا يليق بصفات الإلهيّة فقال :﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ أي الغلبة والقوة، أضاف الربَّ إلى العزة لاختصاصه بها كأنه قيل : ذُو العِزَّة، كما تقول : صاحب صدق لاختصاصه به.
وقيل : المراد بالعزة المخلوقة الكائنة بيْن خلقه.
ويترتب على القولين مسألة اليمين.
فصل قوله :﴿رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ الربوبية إشارة إلى كمال الحكمة والرحكمة والعزة إشارة إلى كمال القدرة، فقوله :" رب العزة " يدل على أنه القادر على جميع الحوادث، لأن الألف
٣٦٠
واللام في قوله :" العزة " يفيد الاستغراق وإذا كان الكل ملكاً له لم يبق لغيره شيء فثبت أن قوله :﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ كلمة محتوية على أقصى الدرجات وأكمل النهايات " وَسَلاَمٌ عَلَى المُرْسَلِينَ "، الذين بلغوا عن الله التوحيد بالشرائع " وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبَّ العَالَمِينَ " على هلك الأعداد ونصر الأنبياء - عليه (الصلاة و) السلام -.
رُوي عن عليِّ - رضي الله عنه - قال " مَنْ أَحَبَّ أنْ يَكْتَالَ بِالمِكْيَالِ الأَوْفَى مِنَ الأَجْرِ فَلْيَكُنْ آخِرَ كَلاَمِهِ مِنْ مَجْلِسِهِ : سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وسَلامٌ على المُرْسَلينَ والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ورَوَى أبو أمامة عن أبيِّ بن كعب قال :" قال رسول الله - ﷺ - من قرأ سورة " والصافات " أُعْطِيَ مِنَ الأَجْرِ عَشْرَ حَسَنَاتٍ بِعَدَدِ كُلِّ جنِّيِّ وَشَيْطَانِ وَتَبَاعَدَتْ مِنْهُ مَرَدَةُ الشياطين وَبِرئَ مِنَ الشِّرْكِ وشَهِدَ لَهُ حَافِظَاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أنَّه كَانَ مُؤْمِناً ".
والله سبحانه وتعالى أعلم.
٣٦١
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣٥٨