كقراءة العامة، ومعنى الكلام قويناه بالحرس والجنود.
قال ابن عباس : كان اشد ملوك الأرض سُلطاناً كان يحرس محرابه كل ليلة ستةٌ وثلاثون ألفَ رجلٍ.
قوله :﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ فهي النبوة، وقيل : العلم والخير ؛ قال تعالى :﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ [البقرة : ٢٦٩] وأما فصل الخطاب فقال بعض المفسرين : إن داود أول من قال في كلامه : أما بعد وقيل : المراد منه : معرفة الأمور التي بها يفصل بين الخصوم وهو طلب البينة واليمين.
قال ابن الخطيب : وهذا بعيد لأن فصل الخطاب عبارة عن كونه قادراً على التعبير على كل ما يخطر بالبال ويحضُر في الخيال بحيث لا يخلِط شيئاً بشي وبحيث يفصل كُلّ مقام عن ما يخالفه.
هذا معنى عامّ يتناول فصل الخصومات ويتناول الدعوة إلى الدين الحق ويتناول جميع الأقسام والله أعلم.
وروى ابن عباس أن رجلاً من بني إسرائيل استعدى على رجلٍ من عظمائهم عند داود أن هذا غَصَبني بقراً فسَألَهُ (داود) فجَحَد فقال للآخر البينة فلم يكن له بينة فقال لهما داود : قوما حتى ينظر في أمركما فأوحى الله إلى داود من منامه أن يقتل الذي استعدى عليه فقال هذه رؤيا ولست أعجل حتى أتثبت فأوحى الله إليه ثانيةً فلم يفعل فأوحى الله إليه الثالثة أن يقتله أو تأتيه العقوبة، فأرسل داود إليه فقال إن الله أوحى إليَّ أن أقتلك ؛ فقال : تقتلني بغير بينة، فقال داود نعم والله لأنفذنَّ أمر الله فيك فلما عرف الرجل أنه قاتله قال لا تعجل حتى أخبرك إني والله ما أخذت بهذا الذنب ولكن اغتلت والد هذا فقتلته ولذلك أخذت فأمر به داود فقتل فاشتد هيبة داود عند ذلك في قلوب بني إسرائيل، واشتد به مُلْكه فذلك قوله :﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ﴾ ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ﴾ يعني النبوة والإصابة في الأمور و " فَضْلَ الْخِطَابِ " قال ابن عباس : بيان الكلام وقال ابن مسعود والحسن والكلبي ومقاتل : على الحكم با االقضاء، وقال علي بن أبي طالب : هو أن البينة على المدَّعِي واليمين على ما أنكر ؛ لأن كلام الخصوم ينقطع وينفصل به، ويروى ذلك
٣٩٣
عن أبي بن كعب قال : فصل الخطاب الشهود والأيْمَان.
وقال مجاهد وعطاء بن أبي رباح عن الشعبي : فصل الخطاب هو قول الإنسان بعد حمد الله والثناء عليه : أما بعد إذا أراد الشروع في كلام آخر.
قوله (تعالى) :﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ﴾ قد تقدم أن الخصم في الأصل مصدر فلذلك يصلح للمفرد والمذكر وضِدَّيْهِما، وقد يطاَبق، ومنه ﴿لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ﴾ [ص : ٢٢] والمراد بالخصم هنا جمعٌ بدليل قوله :﴿إِذْ تَسَوَّرُواْ﴾ وقوله :﴿إِذْ دَخَلُواْ﴾ قال الزمخشري : وهو يقع للواحد والجمع كالضَّيْفِ، قال تعالى :﴿أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [الذاريات : ٢٤] لأنه مصدر في أصله، يقال خَصَمَهُ يَخْصِمَهُ كما تقول : ضَافَهُ ضَيْفاً.
فإن قلت : هذا جمع وقوله : خَصْمَان تثنية فكيف استقام ذلك ؟ قلت : معنى خصمان فريقان خصمان، والدلي قراءة من قرأ :" بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " ونحوه قوله تعالى :﴿هَـاذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ﴾ [الحج : ١٩] فإن قلت : فما تَصْنَعُ بقوله :﴿إِنَّ هَذَآ أَخِي﴾ وهو دليل على الاثنين ؟ قلت : معناه أنّ التحاكم بين ملكين ولا يمنع أن يصحبهاما آخرون، فإن قلت : كيف سماهم جميعاً خَصْماً في قوله :" نَبَأُ الخَصْمِ وخَصْمَان " ؟ قلت : لما كان صحب كل واحد من المتحاكمين في صورة الخسم صحت التسمية به.
قوله :﴿إِذْ تَسَوَّرُواْ﴾ في العامل في " إذْ " أَوْجُهٌ : أحدهما : أنه معمول للنبأ إذا لم يرد به القصة.
وإليه ذهب ابنُ عطية وأبو البقاء ومكِّيٌّ أي هل أتاك الخبر الواقع في وقت تَسَوُّرهم المحراب، وقد ردّ بعضهم هذا بأن النبأ الواقع في ذلك الوقت لا يصح إتيانه رسول الله - ﷺ - وإن أريد بالنبأ القصة لم يكن ناصباً.
قاله أبو حَيَّانَ.
الثاني : أن العامل فيه " أَتَاكَ " وُردَّ بما رُدَّ به الأول وقد صرح الزَّمَخْشَريُّ
٣٩٤