إلى القتل والفجور ؟ ! الصفة السادسة : قوله تعالى :﴿وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً﴾ قيل : إنه كان محرَّماً عليه صيد شيءْ من الطير فكيف يعقل أن يكون الطير آمناً منه ولا يجوز أمن الرجل المسلم على زوجته ومنكوحه الصفة السابعة : قوله تعالى :﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ﴾ ومحال أن يكون المراد أنه تعالى : شد ملكه بأسباب الدنيا بل المراد بأنا ملكناه تقوى الدين وأسباب سعادة الآخرة، أو المراد تشديد ملكه في الدين والدنيا ومن لايملك نفسه عن القتل والفجور كيف يليق به ذلك ؟ ! الصفة الثامنة : قوله تعالى :﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ (والحكمة اسم جامع لك ما ينبغي علماً وعملاً فكيف يجوز أن يقال : إِنَّا آتَيْنَاهُ) الحكمة وفصل الخطاب مع إصراره على ما يستنكف عنه الشيطان من مُزاَحَمَة أخصِّ أصحابه في الروح والمنكوح ؟ ! فهذه الصات التي وصف بها قبل شحر القصَّة.
وأما الصفات المذكورة بعد ذكر القصة فأولها قوله تعالى :﴿وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ وهذا الكلام إنما يناسب لو دلت القصة المتقدمة (على قوته في طاعة الله أما لو كانت القصة المتقدمة) دالة على سعيه في القتل والفجور لم يكن قوله :﴿وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ لائقاً.
وثانيها : قوله تعالى :﴿يا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ﴾ وهذا يدل على كذب تلك القصة من وجوه : الأول : أن الملك الكبير إذا حُكِي عن عبده أنه قصد دماء الناس وأموالهم وأزواجهم فعند فراغه من شرح قصته على الناس يقبح منه أن يقول عقيبة أيها العبد إنّي فوضت إليك خلافتي ونبوتي لأن ذكر تلك القبائح والأفعال المنكرة يناسب الزجر والحجر فأما جعله نائباً وخليفة لنفسه فذلك مما (لا) يليق البتة.
الثاني : أنه ثبت في أصول الفقه أن ذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدل على كون ذلك الحكم معللاً بذل الوصف فلما حكمى الله تعالى عنه تلك الواقعة القبيحة، ثم قال بعده :﴿إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْض﴾ أشعر هذا (الوصف) بأن الموجب لتفويض هذه الخلافة هو إتيانه بتلك الأفعل المنكرة.
ومعلوم أن هذا فاسد أما لوك ذكرنا أن تلك
٤٠٠
القصة كانت على وجه يدل على براءة ساحته عن المعاصي والذنوب وعلى شدّة مصابرته في طاعة الله تعالى فحينئذ يناسب أن يذكر عقيبه :﴿إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْض﴾ فثبت أن الذي نختاره أولى.
الثالث : أنه لما كان مقدمة الآية دالة على محد داود - عليه (الصلاة و) السلام - وتعظيمه ومؤخرتها أيضاً دالة على ذلك فلو كانت الواسطة دالة على المقابح والمعايب لجرى مَجْرى أن يقال : فلان عظيم الدردة عالي المرتبة في طاعة الله تعالى يقتل ويزني ويسرق وقد جعله اللخ خليفة له في أرضه وصوب أحكامه فكما أن هذا الكلام مما لا يليق بالعاقل فكذا ههنا ومن المعلوم أن ذكر العشق والسعي في القتل من أعظم أبواب العيوب.
ورابعها : أن بعض القائلين ذكر في هذه الآية أن داود - عليه (الصلاة و) السلام - تمنى أن يحصل له في الدين كلا حصل للأنبياء المتقدمين من المنازل العالية مثلَ ما حصل للخيل من الإلقاء في النار، وحل للذبيح من الذبح وحصل ليعقوبَ من الشدائد الموجبة لكثرة الثواب فأوحى الله إليه إنما وجدوا تلك الدرجات لأنهم لما ابتلوا صبروا فعند ذلك سأل داود عليه (الصلاة و) السلام الابتلاء فأوحى الله إليه إنك مبتلي في يوم كذا فبالغ في الاحتراز، ثم وَقَعَت الواقعة فنقول : إن حكايتهم تدلّ على أن الله تعالى يبتليه بالبلاء الذي يزيد في منقبته ويكمل مراتب إخلاصه، فالسعي في قتل النفس (بغير الحق) والإفراط في العشق كيف يليق بهذه الحالة بحيث إن الحكاية التي ذكروها يناقص أولُها آخرَها.
وخامسها : أن داود عليه(الصلاة و) السلام (تمنَّى أن يحصل له في الدين كما بحل للأنبياء المتقدمين من المنازل العالية) قال :﴿وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ﴾ استثنى الذين آمنوا من البغي.
فلو قلنا : إنه كان موصوفاً بالبغي لزم أن يقال : إنه حكم بعدم الإيمان على نفسه وذلك باطل.
وسادسها : حضرت في مجلس وفيه بعض أكابر المسلمين وكان يريد أن يتعصب لتقرير ذلك القول الفاسد والقصة الخبيثة لسبب اقتضى ذلك فقلت له : لا شك أن داود عليه (الصلاة و) السلام كان من أكابر الأنبياء والرسل وقال الله :﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام : ١٢٤] ومن مدحه الله (تعالى بمثل) هذا المدح العظيم لم يجز لنا أن نبالغ في المطعن فيه وأيضاً فتبقدير أنه ما كان من الأنبياء فلا شك أنه كان مسلماً ؛ وقال - ﷺ -
٤٠١