(الصلاة و) السلام - أنواعاً من الأفعال المذمومة.
فأولها : ترك الصلاة.
وثانيها : أنه استولي عليه الاشتغل بحُبِّ الدنيا حيث نَسِيّ الصلاة وقال - عليه (الصلاة و) السلام - :" (حُبُّ) الدُّنْيَا رَأسُ كُلِّ خَطيئَةٍ ".
وثالثها : أنه بعد الإتيان بهذا الذنب العظيم لم يشتغل بالتوبة والإنابة البتة.
ورابعها : أنه خاطب رب العالمين بقوله :﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ﴾ وهذه كلمة لا يقولها الرجل الحَصِيف إلا مع الخادم الخسيس.
وخامسها : أنه أتبع هذه المعاصي بعقر الخيل من سوقها وأعناقها وقد " نَهَى النبي - ﷺ _ عن ذبح الحيوان إلا لمأكله "، وهذه أنواع من الكبائر نسبوها إلى سليمان - عليه (الصلاة و) السلام - مع أن لفظ القرآن لم يدلّ على شيء منها.
وخلاصتها : أن هذه القصص إنما ذكرها الله تعالى عقيب قوله :﴿وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص : ١٦] وأن الكفار لما لبلغوا في السفاهة إلى هذا الحد قال الله عزّ وجلّ لمحمد - عليه (الصلاة و) السلام - : يا محمد اصبر على سفاهتهم، واذكر عبدنا داود، ثم ذكر عقيبه قصّةَ سليمان فكان التقدير أنه تعالى قال لمحمد - عليه (الصلاة و) السلام - : يا محمد اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا سليمان.
وهذا الكلام إنما يليق إذا قلنا : إن سليمان عليه (الصلاة و) السلام - أتى في هذه القصة بالأعمال الفاضلة والأخلاق الحميدة وصبر على طاعة الله تعالى وأعرض عن الشهوات واللذات، فلو كان المقصود من قصة سليمان في هذا الموضع أنه أقدم على الكبائر العظيمة والذنوب لم يكن ذكر هذه القصة لائقاً.
والصواب أن نقوله : إن رِبَاط الخيل كان مندوباً إليه في دينهم كما هو في دين محمد عليه (الصلاة و) السلام ؛ ثم إنَّ سليمانَ - عليه (الصلاة و) السلام - احتاج إلى الغزو فجلس وأمَرَ بإحْضَارِ الخَيْل وأمر بإجرائها، وذكر أني لا أجريها لأجل الدنيا ونصيب النفس وإنما حبها لأمر الله وطلب تقوية دينه وهو المراد من قوله :﴿عَن ذِكْرِ رَبِّي﴾ ثم إنه - عليه السلام - أمر بإجرائها وسيَّرها حتى توارت بالحجاب أي غابت عن بصره، ثم إنه أمر الرابضين بأن يردوها فردوا تلك الخيل إليه فلما عادت إليه طَفِقَ يَمْسَحُ سُوقَها وأعناقها والغرض من ذلك أمور : الأول : تشريفاً لها وإبانة لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو.
الثاني : أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يَتَّضِعُ إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه.
الثالث : أنه كان أعلم بأحوال الخيل ومراميها وعيوبها فكان يمسحها ويمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض فهذا التفسير هو الذي ينطبق عليه لفظ القرآن ولا يلزم منه نسبة شيء من تلك المنكرات إلى سليمان عليه - (الصلاة و) السلام - والعَجَبُ منهم كيف قَبِلُوا هذه الوجوه السخيفة مع أن العقل والنقل يردها وليس لهم في إثباتها شبهة فضلاً عن حجة ؟ فإن قيل : فالجمهور فسروا الآية بتلك الوجوه.
فالجواب : أن نقول لفظ الآية لا يدل على شيء من تلك الوجوه التي يذكرونها لما ذكرنا، وأيضاً فإن الدلائل الكثيرة قامت على عصمة الأنبياء - عليهم (الصلاة و) السلام - ولم يدل على صحة هذه الحكايات دليل قاطع، ورواية الآحاد لا تصلح معارضة للدلائل القوية فكيف الحكايات عن أقوام لا نلتفت إلى أقوالهم ؟ والذي ذهبنا إليه قولُ الزهري وابن كيسان.
قوله :﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ قال بعض المفسرين : إن سليمان - عليه (الصلاة و) السلام بلغهُ خبرُ مدينة في البحر يقال لها : صيد، فخرج إليها بجنوده فأخذها وقتل ملكها وأخذ بنتاً له اسمها :" جرادة " من أحسن الناس وجهاً فاصطفاها لنفسه وأسلمت فأحبَّها فكانت تبكي على أبيها، فأمر سليمان الشيطان فمثل هلا صورة أبيها فكستها مثل
٤١٩


الصفحة التالية
Icon