والمفعول محذوف أي أصاب جنوده أي حيث وَجَّهَهُمْ وَجَعَلهُمْ يَصُوبُونَ صَوْبَ المطر، و " الشياطين " نسقٌ على " الريح " و " كل بناء " بدل من " الشياطين " كانوا يبنون له ما شاء من الأبنية.
روي أن سليمان - عليه (الصلاة و) السلام - أمر الجانَّ فبنت له إصْطَخْرَ، فكانت فيها قرار مملكة النزل قيدماً، وبنت هل الجان أيضاً " تَدْمُر " وبين المقدس وباب جبرون وباب البريد الذين بدمشق على أحد الأقوال، وبنوا له ثلاثة قصور باليمن غدان وشالخين ويبنون ومدينة صنعاء.
قوله :" وغواص " نسق على " بناء " أي يغوصون له فيستخرجون اللؤلؤ.
وألا بصيغة المبالغة لأنه في معرض الامتنان.
قوله :﴿وَآخَرِينَ﴾ عطف على " كُلَّ " فهو داخل في حكم البدل وتقدم شرح " مُقَرَّنِينَ في الأصْفَادِ " آخِرَ سورة إبراهيم.
٤٢٤
فصل قال ابن الخطيب : دلت هذه الآية على أن الشياطين لها قولة عظيمة قدروا بها على بناء تلك الأبنية العطيمة التي لا يقدر عليها البَشَر، وقدروا على الغوص في البحار واستخراد الآلئ وقيدهم سليمان - عليه (الصلاة و) السلام -.
ولقائل أن يوقل : هذه الشياطين إما أن تكون أجسادهُم كثيفةً أو لطيفةً ؛ فإن كانت كثيفة وجب أن يراهم من كان شديد الحاسّة ؛ إذْ لو جاز أن لا نراهم مع كثافة أجْسادهم فليَجُزْ أن تكون بحضرتنا جبال عالية وأصوات هائلة ولا نراها ولا نسمعها وذلك وذلك دخول في السَّفْسَطَةِ وإن كانت أجسادهم لطيفةً فمثل ها يمتنع أن يكون موصوفاً بالقوة الشديدة، ويلزم أيضاً أن تتفرق أجسادُهُمْ وأن تَتَمزَّق بالرِّياح العاصفة القوية وأن يموتوا ( في الحال) وذلك يمنع وصفهم بالقوة وأيضاً فالجِنّ والشياطين وإن كانوا موصوفين بهذه القوة والشدة فِلَمَ لا يقتلون العُلَمَاء والزُّهَّاد في زماننا هذا ولِمَ لا يُخَرِّبُون ديار الناس مع أن المسلمين يبالغون في إظهار لعنتهم وعدواتهم وحيث لم يحس بشَيْءٍ مِنْ ذلكَ عَلِمْنَا أن القولَ بإثبات الجنِّ ضعيفٌ.
قال ابن الخطيب : واعلم أن أصحابنا يجوزون أن تكون أجسادهم كثيفة مع أنا لا نراهم وأيضاً لا يبعد أن تكون أجسادهم لطيفة بمعنى عدم الكون ولكنها صُلبة بمعنى أنها لا تقل التفرق.
وأما الجُبَّائيّ فقد سلم أنها كانت كثيفة الأجسام، وزعم أن الناس كانوا يشاهدونَهُمْ في زمن سُلَيْمَان - عليه (الصلاة و) السلام - ثم إنه لما توفي سليمان - عليه (الصلاة و ) السلام - أمات الله أولئك الجنَّ والشياطين وخلق أنواعاً أخر من الجن والشياطين تكون أجسادهم في غاية الرّقَّة، ولا يكون لهم شيء من القوة، والموجود في زماننا من الجن والشياطين ليس إلا من هذا الجنس - والله أعلم -.
قوله :﴿هَـذَا عَطَآؤُنَا﴾ أي قلنا له : هذَا عَطاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ، قال ابن عباس : أعطِ من شئت وامنع من شئت.
قوله :" بغير حساب " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه متعلق " بعَطَاؤُنَا " أي أعطيناك بغَيْر حساب ولا تقدير.
وهو دلالة على كثرة الإعطاء.
٤٢٥
الثاني : أنه حال من " عَطَاؤُنَا " أي في حال كونه غَيْر مُحَاسَبٍ عليه لأن جَمٌّ كثيرٌ يعسر عَلى الحُسَّابَ ضَبطُهُ.
الثالث : أنه متعلق " بامْنُنْ " أو " أَمْسِكْ "، ويجوز أن يكون حالاً من فاعلهما أي غير محاسَبٍ عليه.
فصل قال المفسرون : معناه لا حرج عليك فيما أعطيت وفيما (أَ) مْسَكْتَ، قال الحسن : ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه تبعة إلا سليمان، فإنه (إنْ) أعْطى أجر إن لم يعط لم يكن عليه تبعة.
وقال مقاتل : هذا في أمر الشياطين عين خل من شئت منهم وأمْسِكْ من شئت (منهم) في وثَاقِك لا تبعة عليك فيما تتعطاه.
قوله :﴿وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ نسقاً على اسم " إنَّ " هو " لَزُلْفَى " وقرأ الحسنُ وابنُ أبي عَبْلَةَ برفعه على الابتداء، وخبره مضمر، لدلالة ما تقدم عليه، ويقفان على (لَزُلْفَى) ويَبْتدَئانِ بـ " حُسْنَ مَآب " ؛ أي وحسن مآب له أيضاً.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤١٢
قوله :(تعالى) :﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ﴾ كقول " (وَاذكر) عَبدنا دَاوُدَ " وفيه الثلاثة الأوجه، و " إذْ نَادَى " بدل منه بدل اشتمال أي بأني، وقوله :﴿أَنِّي﴾ جاء به على حكاية كلامه الذي ناداه بسببه ولو لم يحكه لقال :" إنَّه مَسَّهُ " لأن غائب.
٤٢٦


الصفحة التالية
Icon