أو بإضمار أعني، وما بعده عطف على نفس " عبدنا " لا على :" إبراهيم " ؛ إذ يلزم إبدالُ جمعٍ من مفرد.
ولقائل أن يقول : لما كان المراد بِعَبْدِنَا الجنس جاز إبدال الجمع منع كقراءة ابن عباس :" وإلهِ أبيك إبراهيم " في البقرة [١٣٣] في أحد القولين.
وقد تقدم.
وأما قراءة الجماعة، فواضحة لأنها موافقة للأول في الجمع.
قال ابن الخطيب : لأن غير إبراهيم من الأنبياء قد أجري عليه هذا الوصف فجاء في حق عيسى :﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ [الزخرف : ٥٩] وفي أيوب :﴿نِّعْمَ الْعَبْدُ﴾ [ص : ٤٤] وفي نوح :﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً﴾ [الإسراء : ٣] والمعنى اصبر يا محمد على ما يقولون واذكر صبر أيوب على البلاء واذكر صبر إبراهيم حينَ أُلْقِيَ في النار وصبر إسحاق حين عرض على الذّبح وصبر يعقوب حين فقد ولده وذهب بَصَرُهُ.
قوله :﴿أُوْلِي الأَيْدِي﴾ العامة على ثبوت الياء وهو جمع " يَد " وهي إما الجارحة وكني بذلك عن الأعمال لأن أكثر الأعمال إنما تُزَاوَلُ باليد، وقيل : المراد بالأيدي - جمع يد - المراد بها النّعمة.
وقرأ عبدُ الله والأعمش والحسنُ وعيسى : الأيدِ بغير ياء، فقيل : هي الأولى.
وإنما حُذِفَت الياء اجتزاء عنها بالكسرة ولأن " أَلْ " تعاقبت التنوين والياء تحذف مع التنوين فأُجْرِيتْ مع " أل " إجراؤها معه.
وهذا ضعيفٌ جدّاً وقيل : الأيد القوة، إلاَّ أنَّ الزَّمَخْشَري قال : وتفسيره بالأيد من التأييد قَلِقٌ غير متمكن انتهى.
وكأنه إنما قلق عنده لعطف " الأَبْصار " عليه فهو مناسب للأيدي لا لِلأَيْدِ من
٤٣٣
التأييد.
وقد يقال : إنه لا يراد حقيقة الجوارحن إذ كُلّ أحدٍ كذلك إنما المراد الكناية عن العمل الصالح والتفكير ببصيرته، فلم يقلق حينئذ إذ لم يرد حقيقة الأبصار وكأنه قيل أولي القوة والتفكر بالبصيرة، وقد نَحَا الزمخشري إلى شيء من هذا قبل ذلك، قال ابن عباس : أولي القوة في طاعة الله والأبصار في المعرفة بالله أي البصائر في الدين، وقال قتادة ومجاهد أعطوا قوة في العبادة وبصراً في الدين.
أحدها : أن يكون إضافة خالصة إلى " ذكرى "، للبيان لأن الخَالصةَ تكون ذكرى وغيرَ ذكرى كما في قوله :﴿بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾ [النمل : ٧] لأن الشهاب يكون قبساً وغيره.
الثاني : أن " خالصة " مصدر بمعنى إخلاص فيكون مصدراً مضافاً لمفعوله والفاعل محذوف أي بأنْ أَخْلَصُوا ذكرى الدار واتناسوا عندها ذكر(ى) الدنيا، وقد جاء المصدر على فاعله كالعَافِيَةِ، أو يكون المعنى بأن أَخْلَصْنَا نَحْنُ لَهُمْ ذِكْرَى الدَّارِ.
الثالث : أنها مصدر أيضاً بمعنى الخُلُوص فتكون مضافة لفاعلها أي بأن خَلستْ لهم ذِكْرى الدار وقرأ الباقون بالتنوين وعدم الإضافة وفيها أوجه : أحدها : أنها مصدر بمعنى الإخلاص فتكون :" ذِكْرَى " منصوباً به، وأن يكون بمعنى الخُلُوص فيكون " ذكرى " مرفوعاً به كما تقدم.
والمصدر يعمل منوناً كما يعمل مضافاً.
أو يكون خالصة اسم فاعل على بابه، " وذكرى " بدل أو بيان لها أو منصوب بإضمار أعني، أو مرفوع على إضمار مبتدأ و " الدار " يجوز أن يكون مفعولاً به " بذكرَى " وأن يكون ظرفاً إما على الاتِّساع، وإما على إسقاط الخافض.
ذكرهما أبو البقاء و " خالصة " إذا كانت صفة فهي صفة لمحذوف أي بسبب خَصْلَةٍ خالصة.
٤٣٤
فصل من قرأ بالإضافة فمعناه أخلصناهم بذكرى الدار الآخرة إن لم يعملوا لها، والذّكرى بمعنى الذكر.
قال مالك بن دينار : نزعنا من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصناهم بحب الآخرة وذكرها، وقال قتادة : كانوا يَدعُون إلى الآخرة وإلى الله عزّ وجلّ.
وقال السدي : أخلصوا الخوْف للآخرة، وقيل : أخلصناهم بأفضل ما في الآخرة، قال ابن زيد.
ومن قرأ بالتنوين فمعناه بخُلّةٍ خالصةٍ وهي ذكرى الدار فتكون " ذكرى الدار " بدلاً عن الخاصلة أو جعلناهم مخلصين بما اخترنا من ذكر الآخرة والمراد بِذكرى الدار : الذكر الجميل الرفيع لهم في الآخرة.
وقيل :(إنهم) أبقى لهم الذكر الجميل في الدنيا، وقيل : هو دعاؤهم ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ﴾ [الشعراء : ٨٤].
قوله :﴿وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ﴾ أي المختارين من أبناء جنسيهم، والأخيار : جمع خَيْر أو خَيِّر - بالتثقيل والتخفيف - كأموات في جميع مَيِّتٍ أومَيْتٍ.
واحتج العملاء بهذه الآية على إثبات عصمة الأنبياء لأنه تعالى حكم عليهم بكونهم أخياراً على الإطلاق وهذا يعم حصلو الخيرية في جميع الأفعال ولاصفات بدليل صحة الاستثناء منه.
قوله تعالى :﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الأَخْيَارِ﴾ وهم (قوم) آخرون من الأنبياء تحملوا الشدائد في دين الله، وقد تقدم شرح أصحاب هذه الأسماء في سورة " الأنعام ".
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٣٢