على أن لقائل أن يقول : إن " أزواجاً " صفة للثلاثة الأشياء أعني الحميم والغساقَ وآخرَ من شكله فيلغي السؤال.
قوله :﴿هَـذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ﴾ مفعول " مقتحم " محذوف أي مُقْتَحِمٌ النار، والاقتحام الدخول في الشيء بشدة والقُحْمةُ الشدة.
وقال الراغب : الاقتحام توسط شدة مخيفة ومنه قَحَمَ الفرسُ فارسَه أي توغل به ما يخاف منه، والمقاحيم الذين يقتحمون في الأمر الذي يتجنب.
قوله :﴿مَعَكُمْ﴾ يجوز أن يكون نعتاً ثانياً " لِفَوْجٍ " وأن يكون حالاً من الضمير المستتر في " مُقْتَحِمٌ " قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون طرفاً لفساد المعنى، قال شهاب الدين : ولَمْ أدرِ من أي وجه يفسد والحالية والصفة في المعنى كالظرفية، وقوله :" هَذَا فَوْجٌ " إلى " النار " يجوز أن يكون من كلام الرؤساء بعضهم لبعض بدليل قول الأتباع " لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوه لَنَا " وأن يكون من كلام الخَزَنَة، ويجوز أن يكون " هَذَا فَوجٌ " من كلام الملائكة والباقي من كلام الرؤساء.
وكان القياس على هذا أن يقال : بَلْ هُمْ لا مرحباً بهم لا يقولون للملائكة ذلك إلا أنهم عدلوا عن خطاب الملائكة إلى خطاب أعدائهم تشفياً منهم.
والمعنى هنا جمع كثيف وقد اقتحم معكم النار كما كانوا قد اقتحموا معكم في الجهل والضلال، والفَوْجُ القطيعُ من النَّاسِ وجمعه أفواجٌ.
(قوله) :﴿﴾ في " مرحباً " وجهان : أظهرهما : أنه مفعول بفعل مقدر أي لا أتيتم مرحباً (أولا سعتم مرحباً.
والثاني : أنه منصوب على المصدر قاله أبو البقاء أي لا رَجُبَتكُمْ دارُكُمْ مَرْحَباً) بل ضِيقاً، ثم في الجملة المنفية وجهان :
٤٤٤
أحدهما : أنها مستأنفة سِيقَتْ للدعاء عليهم، وقوله :" بِهِمْ " بيان للمدعُوِّ عليهم.
والثاني : أنها حالية، وقد يعترض عليه بأنه دعاء والدعاء طلب (والطلب) لا يقع حالاً والجواب أنه على إضمار القول أي مقولاً لهم لا مرحباً قال المفسرون قوله تعالى :﴿لاَ مَرْحَباً﴾ دعاء منهم على أتباعهم يقول الرجل لمن يدعو له : مرحباً أي أتيت رَحْباً من البلاد لا ضيقاً أو رَحُبَتْ بلاَدُكَ رَحْباً، ثم تدخل عليه كلمة " لا " في دعاء النفي.
قوله :﴿إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ﴾ تعليل لاستجابة الدعاء عليهم ونظير هذه الآية قوله :﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف : ٣٨] " قالوا " أي الأتباع ﴿بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ﴾ يريدون أن الدعاء الذي دعوتم به علينا أيها الرؤساء أنتم أحق به وعللوا ذلك بقوهم :" أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا " والضمير للعذاب أو للضَّلال.
فإن قيل : ما معنى تقديمهم العذاب لهم ؟ فالجواب : الذي أوجب التقديم عو عمل السوء كقوله تعالى :﴿يقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذالِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾ [الحج : ٩، ١٠] إلا أن الرؤساء لما كانوا هم السبب فيه بإغوائهم وكان العذاب جزاءهم عليه قيل : أنتم قدمتموه لنا، وقوله :" فبئس القرار " أي بئس المستقرّ والمستكنّ جهنم.
قوله :﴿مَن قَدَّمَ﴾ يجوز أن تكون " مَنْ شرطية و( " فـ(ـزِدُهُ " جوابها، وأن تكون استفهامية وقدّم خبرها أي (أن) أي شخص قم لنا هذا ؟ ثم استأنفوا دعاءً، بقوله :" فَزِدْهُ " وأن تكون موصولة بمعنى الذي وحينئذ يجوز فيها وجهان : الرفع بالابتداء والخبر " فَزِدْهُ " والفاء زائدة تشبيهاً له بالشرط، والثاني : أنها منصوبة بفعل مقدر على الاشتغال والكلام في مثل هذه الفاء (قَدْ) تقدم.
وهذا الوجه يجوز عند بعضهم حال كونهم شرطية أو استفهامية أعين الاشتغال إلا أنه لا يقدر الفعل إلا بعدها لأن لها صدر الكلام و " ضِعْفاً " نعت لعذاب أي مضاعفاً.
٤٤٥