المذمومتين، والمراد بالبشر ههنا : آدم عليه (الصلاة و) السلام -.
قوله :﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ﴾ أتمت خلقه ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ فأضاف الروح إلى نفسه وذلك يدل على أنه جوهر شريف علويّ قدسيّن والفاء في قوله :﴿فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾ يدل على أنه كما تم (نفخ) الروح في الجَسَد توجه أمر الله عليهم بالسجود.
وقد تقدم الكلام في الملائكة المأمورين بالسجود (و) هل هم ملائكة الأرض أو يدخل فيه ملائكة السموات مثل جبريل وميكائيل والروح الأعظم المذكور في قوله :﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفّاً﴾ [النبأ : ٣٨] وقال بعض الصوفية : الملائكة الذين أمروا بالسجود لآدم هم القوى النَّباتيّة والحيوانية والحسيّة والحركيّة فإنها في بدن الإنسان خوادم النفس الناطقة، وإبليس الذي لم يسجد هو القوى الوهمية التي هي المنازعة لجوهر العقل.
قوله :﴿كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ تأكيدان.
وقال الزمخشري " كل " للإحَاطَةِ و " أجْمَعُونَ " للاجْتماع، فأفادا معاً أنهم سدوا عن آخرهم ما بقي منهم ملك إى سجد وأنهم سدوا جميعاً في وقت واحد غير متفرّقين.
وقد تقدم الكلام معه في ذلك في سورة الحِجرِ.
قوله :﴿أَن تَسْجُدَ﴾ قد يستدل به من رى أن " لا " في " أنْ لا تَسْجُدَ " في السورة الأخرى زائدة، حيث سقطت هنا والقصة واحدة.
وقوله :﴿لِمَا خَلَقْتُ﴾ قد يستدل به من يرى جواز وقوع " ما " على العاقل ؛ لأن المراد به آدم، وقيل : لا دليل فيه لأنه كان فَخَّاراً غير جسم حسَّاسٍ فأشير إليه في تلك الحالة.
وهذا ليس بشيء ؛ لأن هذا الخطاب إنما كان بعد نَفْخ الرُّوح فيه لقوله :﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن
٤٥٤
رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾
[الحجر : ٢٩] فلما امتنع من السجود قال :﴿مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ وقيل : ما مصدرية غير مارد فيكون واقعاً موقع المفعول به أي لمخْلُوقي.
وقرأ الجّحْدريّ " لَمَّا " بتشديد الميم وفتح اللام وهي " لَمَّا " الظرفية عند الفارسيِّ، وحرف وجوب لوجوب عند سيبَويْهِ، والمسجود له على هذا غير مذكور ؛ أي ما منعك من السجود لَمَّا خلقتُ أي حين خلقتُ لمن مرتك بالسجود له.
قرئ :" بِيدَيِّ " بكسر الياء كقراءة حمزة :﴿بِمُصْرِخِكُمْ﴾ [إبراهيم : ٢٢] وتقدم ما فيها وقرى : بِيَدِي بالإفراد.
قوله :﴿أَسْتَكْبَرْتَ﴾ قرأ العامة بهمزة الاستفهام، وهو استفهام توبيخ وإنكار، و " أم " متصلة هنا، وهذا قول جمهور النَّحْويِّينَ ونقله ابنُ عطيةَ عن بعض النحويين أنا لا تكون معادلة للألف مع اختلاف الفعلين وإنما تكون معادلة إذا دخلتا على فعل واحد كقولك : أَقَامَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌو، وأزيدٌ قَامَ أمْ عمرٌو، وإذا اختلفت الفعلان كهذه الآية فليست معادلةً وهذا الذي حكاه عن بعض النحاة مذهب فاسد بل جمهور النحاة على خلافه.
قال سيبويه : وتقول : أَضَرَبْتَ زيداً أمْ قَتَلْتَهُ، فالبداءَةُ هنا بالفعل أحسن لأنك إنما تسأل عن أحَدِهما لا تدري أيُّهما كان، ولا تسأل عن موضع أحدهما كأنك قلت : أيّ ذلك كان انتهى، فعادل بها الألف مع اختلاف الفعلين، وقرأ جماعة منهم ابنُ كَثيرٍ - وليست مشهورةً عنه - اسْتكْبَرْتَ بألف الوصل ؛ فاحتملت وجهين :
٤٥٥
أحدهما : أن يكون الاستفهام مراداً يدل عليه " أم " كقوله : ٤٢٨٢ -.................
بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أَمْ بِثَمانِ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٥١
وقوله : ٤٢٨٣ - تَرَوَّحُ مِنَ الحَيِّ أَمْ تَبْتَكِرُ
.................
فتتفق القراءتان في المعنى، واحتمل أن يكون خبراً محضاً، وعلى هذا " فأم " منقطعة لعدم شرطها.
فصل المعنى استكبرت الآن أم كنت من المتكبرين أبداً أي من القوم الذين يتكبرون فتكبرت عن السجود لكونك منهم فأجاب إبليس بقوله :﴿قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ فبين كونه خيراً منه بأن أصله من النار، وأصل آدم من الطين، والنار أشرق من الطين، والدليل على أن النَّارَ أفضلُ من الطين أن الأجرام الفَلَكِيَّة أفضلُ من الأجرام العُنْصُريَّة، والنار أقرب العاصر من الفَلَك والأرض أبعدها عنه، فوجب كونُ النار أفضلَ من الأرض وأيضاً فالنار خليفة الشمس والقمر في إضاءة العالم عند غيبتهما، والشمس والقمر أشرف من الأرض فخليفتهما في الإضاءة أفضل من الأرض وأيضاً فالكيفية الفاعلة الأصلية غما الحرارة أو البرودة والحرارة أفضل من البرودة لأن الحَرارة تناسب الحياة والبرودة تناسب الموت، وأيضاً فالنار لطيفة، والأرض كثيفة، واللطافة أشرف من الكثافة وأيضاً فالنار مشرقة والأرض مظلمة، والنور خير من الظلمة، وأيضاً فالنار خفيفة تشبه الروح، والأرض كثيفة تشبه الجسد، والروح أفضل من الجسد فالنار أفضل من الأرض، وذهب آخرون إلى تفضيل الأرض على النار، وقالوا : إن الأرض
٤٥٦


الصفحة التالية
Icon