عطف عليه كقولك : وَاللَّهِ وَاللَّهِ لأَقُومَنّ "، و " أَقُولُ " اعتراضٌ بين القسم وجوابه ويجوز أن يكون مجرواً على الحكاية وهو منصوب المحلّ " بأقولُ " قال الزمخشريّ : ومجرورين - أي وَقُرِئَا مَجْرُورَيْنِ - على أن الأول مقسم به قد أضمِر حرف قسمه كقولك :" (و) اللَّهِ لأَفْعَلَنّ والحَقِّ أقولُ " أي ولا أقولُ إلاّ الحقَّ على حكاية لفظ المقسم به ومعناه التوكيد والتشديد، وهذا الوجه جائز في المرفوع والمنصوب أيضاً وهو جهٌ دقيقٌ حسنٌ انتهى.
يعني أنه أعمل القول في قوله :" وَالحَقّ " على سبيل الحكاية فيكون منصوباً بأقول سواء نُصب أو رُفِعَ أو جر كأنه قيل : وأقول هذا اللفظ المتقدم مقيداً بما لفظ به أولاً.

فصل معنى لأملأن جهنم منك أي من جنْسِكَ وهم الشياطين وممَّن تبعك منهم من ذرية آدم.


قوله :﴿أَجْمَعِينَ﴾ فيه وجهان : أظهرهما : أنه توكيد للضمير في " منك " ولمن عطف عليه في قوله " ومَّنْ تَبِعَكَ " والمعنى لأملأن جهنم من (المَتْبُوعينَ والتابعين لا أترك منهم أحداً، وجيء بأجمعين دون كلن وقد تقدم أن الأكثر خلافُهُ وجوز الزمخشري أن يكون تأكيداً للضمير في " مِنْهُمْ " خاصة، فقدر : لأملأن جهنَّم من) الشياطين وممن تبعهم من جميع الناس لا تفاوت في ذلك بين ناسٍ وناسٍ.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٥١
قوله :﴿قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ أي على تبليغ الرسالة " من أجر " جعل فقوله :" عليه " متعلق " بأَسْأَلَكُمْ " لاَ " بالأَجر " لأنه مصدر، ويجوز أن يكون حالاً منه والضمير إما للقرآن وإما للوَحْي وإما للدعاء إلى الله.
٤٦٢
قوله :﴿وَمَآ أَنَآ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ المتقولين القرآن من تلقاء نفسي، وكل من قال شيئاً من تلقاء نفسه فقد تكلف له وقيل : معناه أن هذا الدين الذين أدعوكم إليه ليس يحتاج في معرفة صحته إلى التَّكْلِيفَات الكثيرة بل هو دين يشهد صريح القعل بصحته.
قوله :﴿إِنْ هُوَ﴾ ما هو يعني القرآن " إِلاَّ ذِكْرٌ " موعظة " للعالمين " أي للخلق أجمعين " لَتَعْلَمُنَّ " جواب قسم مقدر ومعناه لَتَعْرْفُنَّ " نَبَأهُ " أنتم يا كفار (مكة) خبر صدقه " بَعْدَ حِينٍ " قال ابن عباس وقتادة : بعد الموت، وقال عكرمة : يعني يوم القيامة، وقال الكلبي : من بقي علم ذلك إذا ظهر أمره وعلا من مات عَلِمَهُ بعد الموت.
قال الحسن : ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين.
روى الثعلبي في تفسيره أن النبي - ﷺ - قال :" مَنْ قَرَأَ سُورَةَ " ص " أُعْطيَ مِنَ الأَجْرِ بِعَدَدِ كُلّ جَبَل سَخَّره اللَّهُ لِدَاوُدَ - عليه السلام - عشرَ حَسَناتٍ وعُصِمَ أن يصرًَّ على ذنب صغير أو كبير " وقال أبو أُمامة عصمة الله من كل ذنب صغير أو كبيرٍ، وأعلم( وهو الرحيم الغفور، وإليه ترجع الأمور).
٤٦٣
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٦٢
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٦٤
٤٦٥
أنّ " مِثْلَهُمْ " منصوب بالخبر المحذوف وهو مقدر وإذ ما في الوجود في حال مماثلتهم بشراً.
السادس : أنه حال من " الكتاب " قاله أبو البقاء، وجاز مجيء الحال من المضاف إليه لكونه مفعولاً للمضاف، فإن المضاف مضاف لمفعوله.

فصل احتج القائلون بخَلْق القرآن بأن الله تعالى وصف القرآن بكونه تنزيلاً ومنزلاً.


وهذا الوصف لا يليق إلا بالمُحْدَثِ المخلوق، قال ابن الخطيب : والجواب أنّا نحمل هذه اللفظة على الصِّيغ والحُرُوف.
قوله :﴿الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ والعزيز هو القادر الذي لايُغْلَبُ، والحكيم هو الذي يفعل (لداعية) الحكمة وهذا إنما يتم إذا كان عالماً بجيمع المعلومات غنياً عن جميع الحاجات.
قوله :﴿إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ﴾ اعلم أن لفظ " تنزيل " يُشْعِرُ بأنه تعالى أنزله نجماً على سبيل التدريج، ولفظ الإنزال يشعر بأنه تعالى أنزله دفعة واحدة، وطريق الجمع أن يقال : إنا حكماً كلياً بأن نوصل إليك هذا الكتاب وهذا الإنزال ثم أوصلنا إليك نَجْماً نجماً على وَفْق المصالح.
(وهذا هو التنزيل).
قوله :﴿بِالْحَقِّ﴾ أي بِسَبِبِ الحق وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الفاعل أو المفعول وهو الكتاب أي ملتبسين بالحق أو ملتبساً بالحَقّ والصِّدْق والصواب، والمعنى كل ما فيه من إثبات التوحيد والنبوة والمَعَاد وأنواع التكاليف فهو حق يجب العمل به وفي قوله :﴿إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ تكرير
٤٦٦
تعظيم بسبب إبرازه في جملة أخرى مضافاً إنزاله إلى المعظم نفسه.
قوله :﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً﴾ لما بين أن هذا الكتاب مشتمل على الحق والصدق وأردفه ببيان بعض ما فيه من الحق والصدق وهو أن يشتغل الإنسان بعبادة الله على سبيل الإخلاص فقال : فَاعْبُد اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، فقوله :" مُخْلِصاً لَهُ " حال من فاعل " فاعبدْ " و " الدينَ " منصوب باسم الفاعل، والفاء في " فاعبدْ " للربط، كقولك :" أحْسَنَ إِليكَ فلانٌ فاشْكُرْهُ " والعامة على نصب " الدين " وقرأ ابن أبي عبلة برِفعِهِ وفيه وجهان : أحدهما : أنه مرفوع بالفاعلية رافعهُ " مخلصاً " وعلى ها فلا بد من تجوز وإضمار، أما التجوز فإسناد الإخلاص للدين وهو لصاحبه في الحقيقة ونظيره قولهم : شِعْرُ شَاعِرٍ، وأما الإضمار فهو إضمارٌ عائد على ذِي الحال، أي مخلصاً له الدين منك، هذا رأي البصريين في مثل هذا، وأما الكوفيون فيجوز أن يكون عندهم " أل " عوضاً عن الضمير أي مُخْلِصاً دينُك.
قال الزمخشري : وحقّ لمن رفعه أن يقرأ مُخْلَصاً - بفتح اللام - لقوله تعالى :﴿وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ﴾ [النساء : ١٤٦] حتى يطابق قوله :﴿أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ والخالِصُ والمُخْلصَ واحد إلا أن يصف الدين بصفة صاحبه على الإسناد المجازي كقولهم :" شِعْرُ شَاعِرٍ ".
الثاني : أنْ يتم الكلام على " مُخْلِصاً " وهو حال من فالع " فَاعْبُدْ " و " لَهُ الدِّين " مبتدأ وخبر، وهو قول الفراء وقدر ردَّه الزمخشري وقال : فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك : لِلّه الدين ألا الله الدين الخالص قال شهاب الدين وهذا الذي ذكره الزمخشري لا يظهر فيه ردٌّ على هذا الإعراب.
٤٦٧


الصفحة التالية
Icon