وحقيقة خول من أحد معنيين إما من قولهم : هو خائلُ مال إذا كان متعهِّداً له حسن القيام عليه، وإما من خَالَ يَخُول إذا اخْتَالَ وافْتَخَر، ومنه قول العرب : إن الغَنِيَّ طَويلُ الذَّيْلِ مَيَّاسُ الخَيْلِ، وقد تقدم اشتقاق هذه المادة مُسْتَوْفًى في الأنْعَام.
قوله :" منه " يجوز أن يكون متعلقاً " بِخَوَّلَ " وأن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه صفة :" لِنِعْمَةٍ ".
قوله :﴿نَسِيَ﴾ أي تَركَ " مَا كاَن يَدْعُو إلَيْهِ " يجوز في " ما " هذه أربعة أوجه :
٤٨٠
أحدها : أن تكون موصولة بمعنى الذي مراداً بها الضُّرّ أي نَسِيَ الشَّرَّ الذي يدعو إلى كَشفه أي ترك دعاءه كأنه (لم) يتضرع إلى ربه.
الثاني : أنها بمعنى الذي مراداً الباري تعالى أي نسي الله الذي كان يتضرع إليه.
وهذا عند من يجيز وقوع " ما " على أولي العلم، وقال ابن الخطيب : وما بمعنى " مَنْ " كقوله :﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى ﴾ [الليل : ٣] ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ [الكافرون : ٣] ﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ﴾ [النساء : ٣].
الثالث : أن تكون " ما " مصدرية أي نَسِيَ كَوْنَهُ داعياَ.
الرابع : أن تكون (ما) نافية وعلى هذا فالكلام تام على قوله :( " نَسِيَ " ) ثم استأنف إخبراً بجملة منفية، والتقدير : نسي ما كان فيه لم يكن دعاء هذا الكافر خالصاً الله (تعالى) وقوله :﴿مِن قَبْلُ﴾ أي من قبل الضر على القول الأخير، وأما على الأقوال قبله فالتقدير من قبل تحويل النَّعْمة.
قوله :﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً﴾ يعني الأوثان " لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ " قرأ ابن كثير وأبو عمرو " لِيَضِلَّ " بفتح الياء أي ليفعل الضلالَ بنفسه، والباقون بضمها فمعوله محذوف، وله نظائر تقدمتْ، واللام يجوز أن تكون للعلة، وأن تكون لام العاقبة كقوله :﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾ [القصص : ٨].
ثم قال : قُلْ يَا مُحَمد لهذا الكافر " تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قِلِيلاً " في الدنيا أي إلى انقضاء أجلك، وليس المراد منه الأمر بل المراد منه الزجرُ وأن يعرفه قلة تَمَتُّعِهِ في الدنيا ثم مصيره إلى النار، قيل : نزلت في عتبة بن ربيعة، وقال مقاتل : نزلت في حُذَيْفَةَ بنِ المغيرة المَخْزُومِيّ، وقيل : عامٌّ في كل كافر.
قوله تعالى :﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ﴾ لما شرح الله تعالى صفات المشركين وتمسكهم بغير
٤٨١
الله أردفه بشرح أحوال المحقين قرأ الحَرَمِيَّان نافعٌ وابنُ كثير تخفيف الميم والباقون بتشديدها فأما الأولى ففيها وجهان : أحدهما : أنها همزة الاستفهام دخلت على " مَنْ " بمعنى الذي، والاستفهام للتقرير، ومقابله محذوف تقديره : أَمَّنْ هُوَ قَانتٌ كَمْن جَعَل لِلَّهِ أنْدَاداً ؟ أو : أمَّنْ هُوَ قانت كغيره ؟ أو التقدير : أَهَذا القَانِتُ خيرٌ أم الكافر المخاطب بقوله :﴿تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً﴾ ؟ ويدل عليه قوله :﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ محذوف خبر المبتدأ وما يعادل المتسفهم عنه والتقدير أن الأوَّلان أولى لقلة الحذف ومِنْ حذف المعادل للدلالة قول الشاعر : ٤٢٩٤ - دَعَانِي إِلَيْهَا القَلْبُ إِنِّي لأَمْرِهَا
سَمِيعق فَمَا أَدْرِي أَرشْدٌ طِلاَبُهَا
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٧٢
يريد : أم غي.
الثاني : أن تكون الهمزة للنداء و " مَنْ " مُنَادَى ويكون المنادَى هو النبيّ - ﷺ - وهو المأمور بقوله :﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ كأنه قال : يا مَنْ هُوَ قانت قُلْ كَيْتَ وكَيْتَ كقول الآخر : ٤٢٩٥ - أَزَيْدٌ أَخَا وَرْقَاء إنْ كُنْتَ ثائِراً
........................
٤٨٢