﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ﴾ [الممتحنة : ١] وهو أن بعض الناس زعم أنه يجوز الانفصال مع القدرة على الاتصال.
وتقدم الجواب بقريب مما ذكرنا هَهنا، وتقدم بيان حكمة التقديم ثمة.
وقول الزمخشري إن الضمير في " لعلهُمْ يَهْتَدُونَ " لموسى وقومه فيه نظر بل الظاهر خصوص الضمير بقومه دونه لأنهم هم المطلوب منهم الهداية، وأما موسى - عليه (الصلاة و) السلام - فمهتدٍ ثابتٌ على الهداية وقال الزمخشري أيضاً : ويجوز أن يريد : والفوج أو الفريقَ الذي جاء بالصدق وصدق به وهم الرسول الذي جاء بالصدق وصاحبته الذين صدقوا به قال أبو حيان : وفيه توزيع للصّلة، والفوجُ هو الموصول فهو كقولك :" جَاءَ الفَريقُ الَّذي شَرف وشرف " والأظهر عدم التوزيع بل المعطوف على الصلة صلة لمن له الصلة الأولى.
وقرأ أبو صَالِح وعكرمةُ بنُ سُلَيْمَانَ ومحمد بن جَحَادَةَ مخففاً بمعنى صدق فيه ولم يغيره بل أداه من غير تحريف، وقُرِئَ :" وَصُدِّقَ بِهِ " مشدِّداً مبنياً للمفعول.
فصل المعنى فمن أظلم ممن كذب على الله فزعم أن له ولداً وشريكاً وكذَّب بالصِّدْق بالقرآن، أو بمحمد إذْ جَاءَهُ، ثم قال ﴿وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ﴾ قال ابن عباس : والَّذِي جاء بالصدق رسول الله - ﷺ - وصَدَّق به محمد - ﷺ - تلقّاه بالقبول، وقال أبو العالية والكلبي : والذي جاء بالصدق : رسول الله - ﷺ - وصدق به : أبو بكر - رضي الله عنه - وقال قتادة : والذي جاء بالصدق رسول الله - ﷺ - وصدق به : هم المؤمنون لقوله :﴿أُوْلاـائِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [الأنفال : ٤] وقال عطاء والذي جاء بالصدق : الأنبياء وصدق به : الأتباع وحنيئذ يكون " الَّذي " بمعنى " الَّذِينَ " كقوله :﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ
٥١٤
أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ [البقرة : ١٧] وقال الحسن : هم المؤمنون صدقوا به في الدينا وجاءوا به في الآخرة، ﴿أُوْلَـائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ وهذا لايفيد العبدية بمعنى الجهة والمكان بل بمعنى الإخلاص، كقوله :﴿عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ﴾ [القمر : ٥٥].
ثم قال :﴿جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ﴾ قالت المعتزلة : وهذا يدل على أن الأجر مستحق لهم على إحسانهم في العبادة.
قوله :﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ﴾ في تعلق الجار وجهان : أحدهما : أنها متعلقة بمحذوف أي يَسَّرَ لهم ذلك ليُكَفَّر.
والثاني : أن تتعلق بنفس الْمُحْسِنِينَ كأنه قيل : الذين أحسنوا ليُكَفّر أي لأجل التكفير.
قوله :﴿أَسْوَأَ الَّذِي﴾ الظاهر أنه أفعل تفضيل، وبه قرأ العامة وقيل : ليست للتفضيل بل بمعنى سيءَ الذي عملوا كقولهم :" الأشَجُّ والنَّاقِصُ أَعدلاَ بَنِي مَرْوانَ " أي عَادِلاَهُمْ ويدل عليه قراءة ابن كثير - في رواية - : أَسْوَاءَ بألف بين الواو والهَمْزَة بزنة أعماله جمع سُوءٍ، وكذا قرأ في :" حم " السَّجْدَةِ.
فصل قوله :﴿لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ يدل على حصول الثواب على أكمل الوجوه، وقوله تعالى :﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ يدل على سقوط العقاب عنهم على أكمل الوجوه ومعنى تكفيرها أي يسترها عليهم بالمغفرة ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا
٥١٥