الإنسان وما فيه من أنواع الحِكَم الغربية والمصالح العجيبة عِلمَ أنه لا بدّ من الاعتراف بالإله القادر الحكيم الرحيم.
والأصل الثاني : أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخبر والشر وهو المراد من قوله :﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾ فثبت أنه لا بدّ من الإقرار بوجود (الله) الإله القادر الحكيم الرحيم، وثبت أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر وإذا كان الأمر كذلك اكنت عبادة الله كافيةً والاعتمادُ عليه كافياً وهو المراد من قوله :﴿قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾.
قوله :﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ﴾ هي المتعدية لاثنين أولهما :" ما تدعون "، وثانيهما : الجملة الاستفهامية والعائد على المفعول منها قوله " هُنَّ " وإنما أَنَّثَهُ تَحْقِيراً لما يدعون من دونه ولأنهم كانوا يسمونها بأسماء الإناث اللاتِ ومناةَ والعُزَّى وتقدم تحقيق هذا.
قوله :﴿هَلْ هُنَّ كَاشِفَات﴾ قرأ أبو عمرو كاشفاتٌ وممسكاتٌ - بالتنوين - ونصب " ضُرَّهُ ورَحْمَتَهُ " وهو الصل في اسم الفاعل والباقون بالإضافة هو تخفيفٌ.
فصل قال مقاتل : لما نزلت هذه الآية سألهم النبي - ﷺ - عن ذلك فسكتوا فقال الله لرسوله - ﷺ - قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ثِقَتي باللَّه واعتمادي ﴿عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ يثق الواثقون.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٥١٧
قوله :﴿قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ وهذا أمر تهديد أي أنكم تعتقدون في أنفسكم أنكم في نهاية القوة والشدة فاجتهدوا في أنواع مكركم وكيدكم فإني عامل في
٥١٨
تقرير ديني فسوف تعلمون أن العذاب والخزى يصيبني أو يصيبكم.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٥١٨
قوله تعالى :﴿إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ الآية...
اعلم أن النبي - ﷺ - كان يعظُم عليه إصراهم على الكفر كما قال تعالى :﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ﴾ [الكهف : ٦] وقال :﴿فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر : ٨] وقال :﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء : ٣] فلما بين الله تعالى في هذه الآيات فساد مذاهب المشركين تارة بالدلائل البينات وتارة بضرب الأمثال وتارةً بذكر الوعد والوعيد أردفه بكلام يزيل ذلك الخوف العظيم عن قلب الرسول - ﷺ - فقال : إنا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ الكامل الشريف لنفع الناس وهداهم وجعلنا إنزاله مقروناً بالحق وهو المعجز الذي يدل على أنه من عند الله فمن اهتدى فنفعه يعود إليه ومن ضل فضير ضلاله يعود إليه ﴿وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾ أي لست مأموراً بأن تحملهم على الإيمان على سبيل القهر بل القَبُول، وعدم القبول مفوض إليهم وذلك تسلية للرسول - عليه (الصلاة و) السلام - ثم بين تعالى الهداية لا تحصل إلا بتوفيق الله تعالى، وكما أن الموت والنوم لا يحصلان إلا بتخليق الله تعالى، كذلك الضلال لا يحصل إلا بأمر الله تعالى، ومن عرق هذه الدقيقة فقد عرف على هذه الدقيقة سبباً لزوال ذلك الحزن عن قلب الرسول - صلى الله عليه وسمل - فهذا وجه النظم، وفيه وجه آخر وهو أن الله تعالى ذكر حجة أخرى في إثبات أنه إلهٌ عالم ليلد على أنه بالعبادة أحقُّ من هذه الأصنام.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٥١٨
قوله :﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا﴾ أي الأرواح حين موتها فيقبضها عند انقضاء أجلها، وقوله :﴿حِينَ مِوْتِهَا﴾ يريد موت أجسادها ﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ﴾ يريد يتوفى الأنفس
٥١٩