فالجواب : أن قوله :" لَئن أشركت ليحبطن عملك " قضية شرطية والقضية الشرطية لا يلزم (من) صدقها صدق جزئيها ألا ترى قولك : لَوْ كَانت الخَمْسة زوجاً لكانت منقسمة بمتساويين قضية صادقة مع أن كل واحد مِنْ جزئيتها غير صادق.
قال تعالى :﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء : ٢٢].
ولم ييلزم من هذا صدق القول بأن فيهما آلهة وأنهما قد فسدتا، قال المفسرون : هذا خطاب مع الرسول - ﷺ - والمراد منه غيره، وقيل : هذا أدب من الله لنبيه وتهديده لغيره، لأن الله تعالى - عز وجل - عصمه من الشركن وقوله :﴿وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ قال ابن الخطيب : كما أن طاعات الأنبياء والرسل أفضل من طاعات غيرهم فكذلك القبائح التي تصدر عنهم فإنها بتقدير الصدور تكون أقبح لقوله تعالى :﴿إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ [الإسراء : ٧٥] فكان المعنى أن الشرك الحاصل منه بتقدير حصوله منه يكون تأثيره في غضب الله تعالى أقوى وأعظم.
قوله :﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ﴾ الجلالة منصوبة بـ " اعْبُدْ " وتقدم الكلام في مثل هذه الفاء في البقرة، وجعله الزمخشري جواب شرط مقدر أي إن كنت عاقلاً فاعْبُدٍ اللَّهِ، فحذف الشرط، وجعل تقديم المفعول عوضاً لجمع بين العِوَض والمُعَوَّض عنه وقرأ عيسى بَل اللَّهُ - رفعاً - على الابتداء، والعائد محذوف أي فَاعْبُدْهُ.
فصل لما قال الله تعالى :" قل أفغير الله تأمروني أعبد " يفيد أنهم أمروه بعبادة غيرالله فقال الله تعالى له لا تعبد إلا الله، فإن قوله " بَل اللَّهَ فَاعْبُدْ) يفيد الحصر " وَكُنْ مِن الشَّاكِرِينَ " لإنعامه عليك بالهِدَايَةِ.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٥٣٧
قوله :﴿وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ قرأ الحسن وأبو حيوة وعيسى قَدَّرُوا بتشديد الدال حَقَّ قَدْرِهِ بفتح الدال، وافقهم الأعمش على فتح الدال من " قَدَرِهِ " والمعنى وما عظمه حق عظمته حين أشركوا به غيره.
قوله :﴿وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ﴾ مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال أي ما عظموه حق تعظيمه والحال أنه موصوف بهذه القدرة الباهرة، كقوله :﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ﴾ [البقرة : ٢٨] أي (كيف) تكفرون بمن هذا وصفه وحال ملكه كذا و " جميعاً " حال وهي دالة على أن المراد بالأرض الأرضون فإن هذا التأكيد لا يحسن إدخاله إلا على الجمع قال ابن الخطيب : ونظيره قوله تعالى :﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَائِيلَ﴾ [آل عمران : ٩٣] وقوله :﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ﴾ [النور : ٣١] وقوله :﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ﴾ [العصر : ٢] ولأن الموضع موضع تفخيم ولعطف الجمع عليها (والعامل) في هذه الحال ما دل عليه " قَبْضَتُهُ "، (ولا يجوز أن يعمل فيها " قَبْضَتُهُ " ) سواء جعلته مصدراً ؛ لأن المصدر لا يتقدم عليه معموله أم مراداً به المقدار قال الزمخشري : ومع القصد إلى الجمع " يعني في الأرض " فإنه أريدَ به الجمع وتأكيده بالجميع أتبع الجميع مؤكده قبل مجيء الخبر ليعلم أول الأمر أن ا لخبر الذي يرد لا يقع عن أرض واحدة ولكن عن الأرض كلها.
وقال أبو البقاء : و " جَمِيعاً " حال من الأرض، والتقدير : إذا كانت مجتمعةً قَبْضتُهُ أي مقبوضةً، فالعامل في " إذا " المصدر، لأنه بمعنى المفعول، وقال أبو علي في الحدة : التقدير :" ذَاتُ قَبْضَتِهِ " وقد رد عليه ذلك بأن المضاف إلَيْه لا يعْمَلُ فيما قبله، وهذا لا يصحُّ لن الآن غير مضاف إليه، وبعد حذف المضاف لا يبقى حكمه انتهى وهو كلام فيه إشكال ؛ إذ لا حاجة إلى تقدير العامل في " إِذ " التي لم يلفظ بها.
وقوله :﴿قَبْضَتُهُ﴾ إنْ قَدَّرْنَا مضافاً - كما قال الفارسيُّ أي ذاتُ قبضته - لم يكن فيه وقوع المصدر موقع " مفعول " وإن لم يُقَدَّر ذلك احتمل أن يكون المصدر واقعاً موقعه، وحينئذ يقال : كيف أنّث المصدر الواقع موقع مفعول وهو غير جائز ؟ ! لا يقال : حُلّة نَسْجَةُ اليَمَن بل نَسْجُ اليَمن أي مَنْسُوجُه.
والجواب : أن الممتنع دخول التاء الدال على التحديد وهذه المجرد التأنيث.
كذا أجيب.
وليس بذاك فإن المعنى على التحديد لأنه أبلغ في القدرة، واحتمل أن يكون أريد بالمصدر مقدار (ذلك) (التحديد).
والقَبْضَةُ - بالفتح - المَرَّة، وبالضم اسم المقبوض كالغُرْفَة والغَرْفَة، قال تعالى :﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ [طه : ٩٦].
والعامة على رفع " قبضته " والحسن ينصبها وخرَّجها ابن خالويه
٥٤٤