والجواب : عن الثاني : أن المقصود منه أن المتولي لإبقاء السموات والأَرَضِين من وجوه العِمَارة في هذا الوقت هو المتولي لتخريبها وإبقائها يوم القيامة وذلك يدل على حصول قدرة تامة على الإيجاد والإعدام ويدل أيضاً على كونه قادراً غنياً على الإطلاق فإنه يدل على أنه حاول تخريب الأرض فكأنه يقبض صغيرة، وذلك يدل على كمال الاستغناء.
والجواب : عن الثالث : أنه إنما خصص تلك الحالة بيوم القيامة ليدل على أنه كما ظهر كمال قدرته في الإيجاد عند عمارة الدنيا يظهر كمال قدرته في الإعدام عند خراب الدنيا والله أعلم.
قوله :﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ العامة على سكون الواو، وزيد بن علي وقتادة بفتحها جمع " صُورَة " وهذه ترد قول ابن عطية أن الصور هنا يتعين أن يكون القرن، ولا يجوز أن يكون جمع صورة وقرئ : فصعق - مبنياً للمفعول - وهو مأخوذ من قوله :" صَعَقَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ، يال : صَعَقَةُ الله فَصُعِقَ.
قوله :﴿إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ﴾ (استثناء) متصل، والمستثنى إما جبريل وميكائيل وإسرافيل : وإما رِضْوَان والحور والزبانية، وإما البارئ تعالى، قاله الحسن وفيه نظر من حيث قوله ﴿مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ﴾ فإنه لا يتحيز فعلى هذا يتعين أن يكون منقطعاً.
قوله :﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى ﴾ يجوز أن يكون " أخرى " هي القائمة مقام الفاعل وهي في الأصل صفة لمصدر محذوف أي نفخ فيه نفخة أخرى ويؤيده التصريح بذلك في قوله :﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ [الحاقة : ١٣] فصرح بإقامة المصدر ويجوزُ أن يكون القائم مقامه الجارّ، و " أُخْرَى " منصوبة على ما تقدم.
٥٤٧
قوله :﴿فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ﴾ العامة على رفع " قيام " خبراً، وزَيْدُ بْنُ عَلِيِّ نصبه حالاً، وفيه حنيئذ أوجه : أحدهما : أن الخبر " ينظرون " وهو العامل في هذه الحال أي فإذا هُمْ يَنْظُرُونَ قِيَاماً.
والثاني : أن العامل في الحال ما عمل في " إذا " الفجائية إذا كانت ظرفاً.
فإن كانت مكانية - كما قال سيبويه - فالتقدير فبِالحَضْرة هُمْ قياماً، وإن كان زمانية كقول الرّمَّانِي فتقديره : فَفِي ذلكَ الزمان هُمْ قياماً أي وجودهم، وإنما احتيجَ إلى تقدير مضاف في هذا الوجه لأنه لا يخبر بالزمان عن الجُثث.
الثالث : أن الخبر محذوف هو العامل في الحال أي فإذا هم مبعوثُون أو مجموعون قياماً، وإذا جعلنا الفجائية حرفاً كقول بعضهم فالعامل في الحال إما " ينظرون "، وإمّا الخبر المقدر كما تقدم تحقيقهما.
فصل لما ذكر كمال قدرته وعظمته بما سبق ذكره أردفه بذكر طريق آخر يدل أيضاً على كمال عظمته وهو شرح مقدمات يوم القيامة، لأن نفخ الصور يكون قبل ذلك اليوم، فقال :﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ الآية.
اختلفوا في الصعقة فقيل : إنها غير الموت لقوله تعالى في موسى - عليه (الصلاة و) السلام) - :﴿وَخَرَّ موسَى صَعِقاً﴾ [الأعراف : ١٤٣] وهو لم يمت فهذه النفخة تورث الفزغ الشديد وعلى هذا فالمراد من نفخ الصعقة ومن نفخ الفزع واحد وهو المذكور في سورة النمل في قوله تعالى :{وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن
٥٤٨


الصفحة التالية
Icon