جمعاً لتَوْبَةٍ كتَمْرٍ وتَمْرَةٍ و " ذِي الطَّوْلِ " نعت أو بدل كما تقدم، والطَّوْلُ سَعَةُ الفَضْل، و " لاَ إله إلاَّ هُوَ " يجوز أن يكون مستأنفاً، وأن يكون حالاً وحي حالٌ لازمةٌ، وقال أبو البقاء يجوز أن يكون صفة، وهذا على ظا هره فاسد ؛ لأن الجُمَل لا تكون صفة للمعارف، ويمكن أن يريد أنه صفة لشديد العقاب، لأنه لم يتعرف بالإضافة.
والقول في " إلَيْهِ المَصِيرُ " كالقول في الجملة قبله ويجوز أن يكون حالاً من الجُمْلَةِ قبله.
فصل قال المفسرون : غافر الذنب ساتر الذنب وقابل التوب أي التوبة، مصدر تَابَ يَتُوبُ تَوْباً، وقيل : التوب جمع توبة مثل : دَوْمَة ودَوْم، وعَوْمة وعَوْم، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : غافر لمن قال لا إله إلا الله، وقال التوب لمن قال لا إله إلا الله، شديد العقاب لمن لا يقول لا إله إلا الله، " ذي الطول " ذي الغِنَى عمن لا يقول لا إله إلا الله.
قال مجاهد : ذي الطول ذي السَّعَةِ، والغِنَى، وقال الحسن : ذي الفضل، وقال قتادة : ذو النعم، وقيل : ذو القدرة، وأصل الطَّوْل الإنعام الذي تطولُ مُدَّتُهُ على صابحه، لا إله إلا هو إليه المصير.
والمعنى أنه لما وصف نفسه بصفاتِ الرحمة والفضل فلو حصل معه إله آخر يشاركه في صفة الرحمة والفضل لما كانت الحاجة إلى عبوديته شديدة فكان الترغيب والترهيب الكاملين حاصلين بسبب هذا التوحيد.
و قوله " إلَيثْهِ المَصِيرُ " مما يقوِّي الرغبة في الإقرار بالعبودية.
قوله تعالى :﴿مَا يُجَادِلُ فِى آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ لما قرر أن القرآن كتابه أنزله ليهتدى به في الدين ذكر أقوال من يجادل لغرض إبطاله فقال ﴿ما يجادل في آيات الله﴾ أي في دفع آيات الله بالتكذيب والإنكار إلا الذين كفروا.
واعلم أن الجدالَ نوعان، جدالٌ في تقرير الحق، وجدالٌ في تقرير الباطل، أما الجدال في تقرير الحق فهو حِرْفة الأنبياء ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال تعالى لمحمد ـ
١٠
عليه الصلاة والسلام ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل : ١٢٥] وحكى عن قوم نوح قولهم :﴿قَالُواْ يا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا﴾ [هود : ٢٣].
وأما الجدال في يتقرير الباطل فهو مذموم وهو المراد بهذه الآية، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" إنَّ جِدَالاً في القُرْآنِ كُفْرٌ " وروى عمرو بنُ شُعَيْبٍ عن أبيه عن جده قال :" سمع رسول الله ـ ﷺ ـ قوماً يَتَمارَوْنَ فقال : إنما هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلضكُمْ بهذا ضربوا كتابَ الله عزّ وجلّ بعضَه ببعض، وإنما نزمل كتاب الله يُصَدِّق بعضه بعضاً فلا تكذبوا بعضَه ببعض فما علمتم منه فقُولُوه، وما جَهْلتم فكِلُوهُ إلى عالمه "، وقال تعال :﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ [الزخرف : ٥٨] وقال :﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ الْحَقَّ﴾ [غافر : ٥].
قوله " فَلاَ يَغْرُرْكَ " قرأ العامة بالفك وهي لغة الحِجَاز، وزيدُ بنُ عليّ وعُبَيْدُ بن عُمَيْرٍ فلا يَغُرَّكَ بالإدغام مفتوح الراء وهي لغة تَمِيمٍ.
فصل جدالهم في آيات الله هو قولهم مخرة سحرٌ، ومرة هو شعرٌ، ومرة إنه قول الكهنة، ومرة إنه أساطير الأولين، ومرة إنه يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ، وقولهم :﴿مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا﴾ [يس : ١٥] أَأنْزِلَ عَلَيْنَا المَلاَئِكَةُ، وأشباه هذا.
ثم قال :﴿فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلاَدِ﴾ أي لا تغترَّ بأني أمْهَلْتُهُمْ وتركتهم سالمين في أبدانهم وأموالهم يتقلبون في البلاد أي يتصرفون فيها للتجارات وطلب المعاش فإني وإن أمهلتهم فإني سآخذهم وأنتقم كما فعلت بالأمم الماضية.
ثم كشف عن هذا المعنى فقال ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ﴾ وهم الكفار الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب من بعد قوم نوح ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ﴾، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : ليقتلوه ويُهلكوه وقيل : ليأسِرُوه.
وقرأ عبدالله بِرَسُولِها، أعاد الضمير على لفظ " الله " والجمهور على معناها، وفي قوله
١١
" ليأخذوه " عبارة عن المُسَبَّبِ بالسَّبَبِ وذلك أن القتل مسبب عن الأخذ ومنه قيل لِلأسير : أخِيذٌ قال : ٤٣٢٠ـ فَإمَّا تأْخُذُونِي تَقْتُلُونِي
فكَمْ مِنْ واحدٍ يَهْوَى خُلُودِي
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣