حكيماً لما حصل هذا المطلوب على وفق الحكمة والمصلحة.
ثم قالوا : بعد ذَلِكَ " وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ " (قال بعضُ المفسرين المراد منه عذاب السيئات.
فإن قيل : فعلى هذا التقدير لا فرق بين قوله :" وقهم السيئات " ) وبين قوله ﴿وقهم عذاب الجحيم﴾ وحينئذ يلزم التكرار الخالي من الفائدة وهو لا يجوز! فالجواب : أنّ التفاوت حاصلٌ من وجهين : الأول : أن يكون قوله ﴿وقهم عذاب الجحيم﴾، دعاء مذكوراً (للأصُولِ وقوله " وقهم السيئات " دعاء مذكوراً) للفروع وهم الآباء والأزواج والذريات.
الثاني : أن يكون قوله ﴿وقهم عذاب الجحيم﴾ مقصوراً على إزالة عذاب الجحيم، وقوله " وقهم السَّيِّئَات " يتناول عذاب الجحيم وعذاب موقف القيامة والحساب والسؤال.
وقال بعض المفسرين : المراد :" وَقِهِم السيئات " هو أن الملائكة طلبوا إزالة عذاب النار بقولهم :" عذاب الجحيم " وطلبوا إيصال الثواب (إليهم) بقولهم :﴿وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ ثم طلبوا بعده ذلك أن يصونهم الله تعالى في الدنيا عن العقائد الفاسدة بقولهم :" وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ " ثم قالوا ﴿وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ﴾ يعني من تقِ السيئات في الدنيا فقد رحمته في يوم القيامة، ثم قالوا ﴿وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ حيث وجدوا بأعمال منقطعة نعيماً لا ينقطع وبأفعالٍ حقيرة مُلْكاً لا تصل العقول إلى كُنْهِ جلالته و الله أعلم.
قوله :" يَوْمَئِذٍ " التنوين عوض من جملة محذوفة، ولكن ليس في الكلام جملمة مصرحٌ بها عوض من هذه التنوين بخلاف قوله :﴿وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ﴾ [الواقعة : ٨٤] أي حين إذْ بَلَغَتْ الحلقومَ لِتَقَدُّمِهَا في اللفظ فلا بدّ من تقدير جملة يكمون هذا عوضاً منهاتقديهر : يَوْمَ إذْ يُؤَاخَذُ بِهَا.
فَصْلٌ قال مُطرفٌ : أنصحُ عباد الله للمؤمنين الملائكة وأغشُّ الخلقِ للمؤمنين هم
١٧
الشياطين، قال سعيد بن جبير في تفسير قوله ﴿من صلح من آبائهم﴾ يدخل المؤمن الجنة فيقول : ابن أبي ؟ أين ولدي ؟ أين زوجتي ؟ فيقال لهم : إنهم لم يعملوا مثل عملك فيقول : إن كنت أعمل لي ولهم فيقال : أدخولهم الجنة.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٣
قوله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ﴾ أي يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفهسم حين عرض عليهم سيئاتهم وعاينوا العذاب فيقال لهم :﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ أي لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم اليوم أنفسكم عند دُخُول العذاب قال البغوي.
واعلم أن الله تعالى عاد إلى شرح أحوال الكافرين المجادلين في آيات الله، وهم المذكورون في قوله ﴿مَا يُجَادِلُ فِى آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [غافر : ٤] وبين أنهم في القيامة يعترفون بذنوبهم واستحقاقهم العذاب ويسألون الرجوع إلى الدنيا ليتلافوا ما فرط مِنْهُمْ.
قوله " إذْ تُدْعَوْنَ " منصوب بمقدر يدل عليه (هذا الظاهر، تقديره مقتكم إذ تدعون، وقدّره بعضهم : اذكروا إذ تدعون).
وجوز الزمخشري أن يكون منصوباً بالمقت الأول.
ورد عليه أبو حيان بأنه يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بالأجنبي وهو الخبر، وقال : هذا من ظواهر علم النحو التي لا تكاد تَخْفَى على المُبْتَدِىءِ، فضلاً عن من يَدَّعِي من العجم أنه شيخ العرب والعجم، قال شهاب الدين : وَمِثْلُ هذها لا يفخى على أبع القاسم، وإنما أراد أنه دال على ناصبه، (و) على تقدير ذلك
١٨
فهو مذهب كوفي قا به.
أو لأن الظَّرْفَ يُتَّسَحُ فيه ما لا يُتَّسَعُ في غيره، وأيُّ غموض في هذا محتى يُنْحي عليه هذا الإنحاء ؟ ولله درّ القائل : ٤٣٢١ـ حَسَدُوا الفَتَى إذْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ
فالقَوْمُ أعْتدَاءٌ لَهُ وَخُصُومُ
كَضَرَائِرِ الحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا
كَذِباً وَزُوراً إنَّهُ لَذَمِيمُ