" هو " في قوله ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ [غافر : ١٣] مثل " يُلْقِي الرُّوْحطَ " ولكن " يلقي الروح " قد علل بقوله " لِيُنْذِرَ " ثم استطرد لذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله " ولا شفيع يطاع " فبعد لذلك عن أخواته.
الثاني : أنه متصل بقوله " وأنْذِرْهُمْ " لما أمر بإنذاره يوم الآزمة وما يعرض فيه من شدة الغمِّ والكَرْبِ وأن الظالم لا يجد من يحميه ولا شفيع له، ذكر اطِّلاعَهُ على جميع ما يصدر من الخلق سِرًّا وجهراً إذ المعنى أنه تعالى عالم لا يخفى عليه مثقالُ ذرة في السموات والأرض، والحاكم إذا بلغ في العلم إلى هذا الحد كان خوف المذنب شديداً جداً وعلى هذا فهذه الجملة لا محل لها لأنها في قوة التعليل للأمر بالإنذار.
الثالث : ِأنها متصلة بقوله :" سَرِيع الحِسَابِ ".
الرابع : أنها متصلة بقوله :﴿لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ﴾ [غافر : ١٦] وعلى هذين الوجهين فيحتمل أن تكون جارية مجرى العلة، وأن تكون في محل نصب على الحال.
و " خَائِنَة الأَعْيُنِ " فيه وجهان : أحدهما : أنها مصدر بمعنى الخيانة كالعافية بمعنى المعافاة (والعافية) أي يعلم خيانة الأعين أي استراق النظر إلى ما لا يحل كما يفعل أهل الريب.
والثاني : أنها صفة على بابها وهو من باب إضافة الصفة للموصوف والأصل الأعينُ الخائنة كقوله : ٤٣٣٠ـ...........................
وإنْ سَقَيْتِ كِرَامَ النَّاسِ فاسْقِِينَا
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٧
وقد رده الزمخشري وقال : لا يحسن أن يراد الخائنةَ من الأعين لأن قوله :﴿وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ لا يساعد عليه يعنهي أنه لا يناسب أن يقابل المعنى إلا بالمعنى.
٣٣
وفيه نظر ؛ أذ لقائل أن يقول لا نسلم أن " ما " في قوله ﴿وما تخفي الصدور﴾ مصدرية حتى يلزم ما ذكره، بل يجوز أن يكون بمعنى الذي وهو عبارة عن نفس ذلك الشيء المخفي فيكون قد قابل الاسم غير المصدر بمثله، والمراد بقوله :﴿وما تخفي الصدور﴾ أي تضمر القلوب.
واعلم أن الأفعال قسمان : أفعال الجوارح، وأفعال القلوب، وأما أفعال الجوارح فأخفاها خائنة الأعين والله بهات فكيف الحال في سائر الأعمال، وأما أفعال القلوب فهي معلومة لله تعالى لقوله ﴿وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ فدل هذا على كونه عالماً بجميع أفعالهم.
قوله ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ وهذا أيضاً يوجب عظم الخوف لأن الحاكم إذا كان عالماً بجميع الأحوال وثبت أنه لا يقضي إلا بالحق في كل ما دق وجل كان خوف المذنب منه في الغاية القُصْوَى.
قوله :" وَالَّذِينَ يَدْعُونَ "، قرأ نافعٌ وهشامٌ تَدْعَونَ بالخطاب للمُشْرِكِين والباقون بالغيبة، إخباراً عنهم بذلك.
واعلم أن الكفار إنما عولوا في دفع العقاب عن أنفسهم على شفاعة هذه الأصنام فبين الله تعالى أنه لا فائدة فيها البتة، فقال :﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ ثم قال :﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ أي يسمع من الكفار ثناءهم على الأصنام، ولا يسمع ثناءهم على الله ويبصر خضوعهم وسجودهم، ولا يبصر خضوعهم وتواضعهم لله.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٧
ولما بالغ في تخويفهم بأحوال أهل الآخرة أردفه بيان تخويفهم بأحوال أهل الدنيا فقال ﴿أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ﴾ والمعنى أن العال من اعتبر بغيره، فإن الذين مَضَوْا من الكفار كانوا أشد قوة من هؤلاء الحاضرين من الكفار، وأقوى آثاراً في الأرض أي حصونهم وقصورهم وعساكرهمخ، فملا كذبوا رسلهم أهلكهم الله عاجلاً حتى إن هؤلاء الجاحدين من الكفار شاهدوا تلك الآثار
٣٤
فحذرهم الله من مثل ذلك وقال ﴿وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ﴾ [الرعد : ٣٤] أي لما نزل العذاب بهم لم يجدوا مُعِيناً يخلصهم.
قوله " فَيَنْظُرُوا " يجوز أن يكون منصوباً في جواب الاستفهام، وأن يكون مجزوماً نَسَقاً على ماقبله كقوله : ٤٣٣١ـ أَلَمْ تَسْأَلْ فَتُخْبِرْكَ الرُّسُومُ
.......................
رواه بعضهم بالجزم، والنصب.
قوله " مِنْهُمْ " قُوَّةً " قرأ ابن عامر " مِنْكُمْ " على سبيل الالتفات، وكذلك هو في مصاحفهم، والباقون " منهم " بمضير الغيبة جرياً على ما سبق من الضمائر الغائبة.
قوله :" وَآثاراً " عطف على " قوة " وهو في قوة قوله " وَتَنْحتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ ".
وجعله الزمخشري منصوباً بمقدر، قال : أو أراد أكثر آثاراً كقوله :" مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحاً " (يعني وَمُعْتَقِلاً رُمْحاً) ؟ ولا حاجة إلى هذا مع الاستغناء عنه.
قوله " ذَلِكَ " أي ذلك العذاب الذي نزل بهم ﴿بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ وهو مبالغة في التخويف والتحذير.