إلى غير ذلك من الشواهد مع تنصيصهم على أنه مختص بالضرورة.
و " السَّلاَسِلُ " معروفة، قال الراغب :" وتَسَلْسَلَ الشيءُ اضطرب كأنه تُصُوِّر منه تسلسلٌ متردد فتردد لفظه تنبيهاً على تردد معناه.
وماء سلسل متردد في مقره ".
والسَّحْبُ : الجر بمعنف، والسَّحابُ من ذلك لأن الريح تَجُرُّوهُ، أو لأنه يجر الماء، وسجرت التَّنُّورَ أي ملأته ناراً وهيجتها، ومنه البحر المسجور، أي المملوء، وقيل : المضطرب ناراً، وقال الشاعر (ـ رحمة الله عليه ـ) : ٤٣٥٠ـ إِذَا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورةً
تَرَى حَوْلَهَا النَّبْعَ والشَّوْحَطَا
فمعشنى قوله تعالى هنا :﴿ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾ أي يوقد بهم، كقوله تعالى :﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم : ٦] والسَّجِيرةُ : الخليلُ الذي يَسْجُرُ في مَوَدَّة خليله، كقولهم : فُلاَنٌ يَحْتَرِقُ فِي مَوَدَّةِ فُلاَنٍ.
٨٦
فصل هذه كيفية عقابهم، والمعنى أنه يكون في أعناقهم أغلال وسلاسل ثم يسحبون بتلك السلاسل في الماء المُسَخَّنِ بنار جهنم، ثم تُوقَدُ بهم النار ﴿قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ يعني الأصنام ﴿قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا﴾ أي فقدناهم وغابوا عن عيوننا فلا نراهم، ثم قالوا :﴿بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً﴾ أنكروا، كقولهم في سورة الأنعام :﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام : ٢٣] وقيل : معناه لم نكن ندعو من قبل شيئاً يضر وينفع.
وقال الحسين بن الفضل : أي لم نكن نصنع من قبل شيئاً أي ضاعت عبادتنا لها كما يقول من ضاع عمله :" ما كنت أعمل شَيْئاً ".
ثم قال تعالى :﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾ قال القاضي : معناه أنه يُضِلُّهم عن طريق الجنة، ولا يجوز أن يقال : بضلهم عن الحجة، وقد هداهم في الدنيا، وقال ﴿يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾ مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم حتى أنهم لو نطلبوا الآلهة، أو طلبتهم الآلهة لم يجد أحدهما الآخر.
قوله تعالى :﴿بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ﴾ أي ذلكم العذابُ الذي نزل بكم ﴿بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ﴾ تَبْطُرون وتَأشِرُنَ ﴿فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ﴾ تفرحون وتختالون.
وقيل : تفرحون من باب التجنيس المحرف، وهو أن يقع الفرق بين اللفظين بحرف.
قوله :﴿ادْخُلُوا ااْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ أي السبعة المقسومة لكم ﴿خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ المخصوص بالذم محذوف ؛ أي جهنمُ أو مَثْوَاكُمْ، ولم يقل : فبئس مدخل ؛ لأن الدخول لا يدوم وإنما يدوم الثّواء، فلذلك خصه بالذم، وإن كان أيضاً مذموماً.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٨١
قوله تعالى :﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ لما زَيَّفَ طريقة المجادلين في آيات الله تعالى أمر في هذه الآية رسوله بأن يصبرَ على أذاهم بسبب جدالهم، ثم قال :﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾.
والمراد ما وعد الرسول نُصْرته، ومن إنزال العذاب على أعدائه.
قوله :﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ﴾ قال الزمخشري : أصله : فَإِن نُرِكَ و " ما " مزيدة لتأكيد معنى الشرط، ولذلك ألحقت النون بالفعل، ألا ترَاك تقول :" إنْ تُكرِمَنِّي أكْرِمْكَ، ولكن إِمَّا تُكْرِمَنِّي أُكْرِمْكَ " قال أبو حيان :" وما ذكره من تَلاَزُمِ النون، ما الزائدة، ليس مذهب سيبويه، إنما هو مذهب المبرد، والزجاج.
ونص سيبويه على التخيير، وقد تقدمت هذه القواعدُ مستوفاةً.
قوله :﴿فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ ليس جواباً للشرط الأول، بل جواباً لما عطف عليه.
وجواب الأول محذوف.
(قال الزمخشري :" فَإِلَيْنَا " متعلق بقوله " نَتَوفَّينَّكَ " وجواب نرينك محذوف) تقديره : فإن نرينك بعض الذي نعدهم من العذاب والقتل يوم بدر، فذاك ؛ وإنْ " نَتَوَفَّيَنَّكَ " قبل يوم بدر " فَإِلَيْنَا يُرجَعُونَ " فننتقم منهم أشدُّ الانتقام.
وقد تقدم مثلُ هذا في سورة يونس.
وبحثُ أبي حَيَّانَ مَعَهُ.
وقال أبو حيان هَهُنَا : وقال : جواب " إما نُرِيَنَّكَ " محذوف ؛ لدلالة
٨٨


الصفحة التالية
Icon