وقال بعضم : إن لفظة " فِي " هناك ألْيَقُ ؛ لأن سفينة نُوحٍ على ما قيل كانت مُطْبِقَةً عليهم وهي محيطة بهم كالوعاء، وأما غيرها فالاستعلاء فيه واضح، لان الناس على ظهرها.
قوله :﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ دلائل قدرته، وقوله :﴿فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ﴾ منصوب بـ " تُنْكِرُونَ " وقدم وجوباً لأن له صدر الكلام.
قال مكيّ : ولو كان مع الفعل هاءٌ لكان الاختيار الرفع في أي بخلافِ ألف الاستفهام تدخل على الاسم، وبعدها فعلٌ واقعٌ على ضمير الاسم فالاختيار النصب نحو قولك : أَزَيْداً ضَرَبْتَهُ، هذا مذهب سيبويه فرق بين الألف وبين " أي " يعني أنك إذا قُلْت : أَيّهُمْ ضَرَبْتَ ؟ كان الاختيار الرفع ؛ لأنه لا يُحْوجُ إلى إضمار مع أن الاستفهام موجود وفي " " أَزَيْداً ضَرَبْتَهُ " يختار النصب لأجل الاستفهام فكان مقتضاه اختيار النصب أيضاً فيما إذا كان الاستفهام بنفس الاسم، والفرقب عَسِرٌ.
وقال الزمخشري :" فأَيَّ آيَاتِ " جاءت على اللغة المسفيضة وقولك : فأيه آياتِ الله قليلةٌ ؛ لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات، نحو : حِمَار، وحِمَارة غريب، وهو في أي أغرب (لإبهامه) قال أبو حيانَ (رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ) : وِمن قلة تأنيث أيَّ قولُه : ٤٣٥١ـ بأيِّ كتَابٍ أَمْ بِأَيَّةِ سُنَّةٍ
تَرَى حُبَّهُمْ عَاراً عَلَيَّ وتَحْسِبُ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٨٨
وقوله : وهو في " أي " أغرب إن عَنَى " أيًّا " على الإطلاق فليس بصحيح ؛ لأن المستفيضَ في النِّداء أن يؤنث في نداء المؤنث كقوله تعالى :﴿يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾ [الفجر : ٢٧] ولا نعلم أحداً ذكر تذكيرها فيه فيقول : يأَيُّها المرأَةُ، إلا صاحب البَدِيع في النَّحْوِ.
وإن
٩١
عنَى غير المناداة فكلامه صحيح يقل تأنيثها في الاستفهام، وموصولة شرطية.
قال شهاب الدين : أما إذا وقعت صفةً لنكرة أو حالاً لمعرفة فالذي ينبغي أن يجُوزَ الوجهان كالموصولة ويكون التأنيث أقلّ نحو : مررتُ بامرأةٍ أَيَّةِ امرأة، وجَاءَتْ هِنْدٌ أَيَّةُ امْرَأَةٍ وكان ينبغي لأبي حَيَّانَ أن ينبه على هذين الفَرْعَيْنِ.
فصل معنى قوله ﴿فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ﴾ أَيْ هذه الآيات التي عددناها كلها ظاهرة باهرة ليس في شيء منها ما يمكن إنكاره.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٨٨
قوله تعالى :﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ...
﴾ معناه أن هؤلاء الكفار الذين يجادلون في آيات الله وحصل الكِبْر العظيم في صدورهم، إنما كان السبب في ذلك طلب الرياسة والتقديم على الغير في المال والجاه ومن ترك الانقياد على الحق طلباً لهذه الأشياء فقد باع الآخرة بالدنيا وهذه طريقة فاسدة ؛ لأن الدنيا ذاهبة واحتج بقوله تعالى :﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ...
﴾ يعني لو ساروا في أطراف الارض لعرفوا أن عاقبة المتكبرين والمتمردين ليس إلا الهلاك والبَوَار مع أنهم كانوا أكثر عَدَداً وعِدَداً ومالاً من هؤلاء المتأخرين، فلما لم تُفِدْهُمْ تلك المُكْنَةُ العظيمة إلا الخَيْبَة والخَسَار فكيف حال هؤلاء الفقراء المساكين ؟ !.
قوله :﴿فما أغنى عنهم﴾ يجوز في " ما " أن تكون نافية واستفهامية بمعنى النفي، ولا حاجة إليه وقوله " مَا كَانُوا " يجوز أن يكون " ما " مصدرية، ومحلها الرفع أي مَكْسُوبُهُمْ أو كَسْبُهُمْ ويجوز أن يكون بمعنى الذي فلا عائد على الأول وعلى الثاني هو محذوف أي يكسبونه وهي فاعل " بأَغْنَى " على التقدِيرين.
٩٢