تعالى :" قرآناً عَرَبياً "، وقوله :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ [إبراهيم : ٥].
فصل قالت المعتزلة : الإيمان والكفارة والصلاة والزكاة والصوم والحج، ألفاظ شرعية لا لغوية بمعنى أن الشرع نقل هذه الألفاظ عن مُسمَّياتها اللُّغويَّة الأصلية إلى مسميات أخرى.
وهذا باطل، وليس للشرع تصرفٌ في هذه الألفاظ إلا من وجهٍ واحد، وهو أنه خَصَّص هذه الأسماء بنوعٍ معيَّنٍ من أنواع مسمَّيَاتها، كما أن الإيمان عبارةٌ عن التصديق والصلاة عبارة عن الدعاء، فخصَّصه الشرع بنوع معين من الدّعاء، وكذا القول في البواقي.
فصل تمسك القائلون بأن أفعال الله تعالى معلَّلةٌ بالمصالح والحكمة بهذه الآية فقالوا : إنها تدل على أنه إنما جعله قرآناً عربياً لأجل أن يعلموا المراد منه، فدل على أنَّ تعليل أفعالِ الله وأحكامه جائز.
فصل قال قوم : القرآن كله معلوم لقوله تعالى : قرآناً عربياً لقوم يعلمون يعني إنما جعلناه عربياً ليصير معلوماً والقول بأنه غير معلوم يقدح فيه.
قوله :﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾ لا يصغُّون تكبراً.
وهذه الآية تدل على أنه لا مُهْتَدِي إلا من هَدَاه الله، ولا مُضِلَّ إلا من أضله الله.
ولما وصف الله تعالى القرآن بأنهم أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه بين أنهمه صرحوا بهذه النفرة، وذكروا ثلاثة أشياء : أحدها : قوله :" فِي أَكِنَّةٍ "، قال الزمخشري : فإن قُلْتَ : هلا قيل : على قلوبنا أكنة، كما قيل : وفي آذَانِنَا وقر ليكون الكلام على نمطٍ واحد ؟ قلت : هو على نمط واحد ؛ لأنه لا فرق في المعنى بين قولك : قلوبنا في أكنة، وعلى قلوبنا أكنة، والدليل عليه قوله تعالى :(إنَّا) جعلنا على قُلُوبِهِم، ولو قيل : جعلنا قلوبهم في أكنةٍ لم يختلف المعنى، وترى المطابيع منه لا يرون الطباق (والملاحظة) إلا في المعاني.
قال أبو حيان : و " في " هنا أبلغ من على، لأنهم قصدوا الإفراط في عدم القبول
١٠٠
بحصول قلوبهم في أكنة احتوت عليها احتواء الظرف على المظروف، فلا يمكن أن يصل إليها شيء كما تقول : المالُ في الكيسِ بخلاف قولك : المالُ على الكيس، فإنه لا يدل على الحَصر، وعدم الوصول دلالة الوعاء، وأما " وجعلنا " فهو من إخبار الله تعالى فلا يحتاج إلى مبالغة.
وتقدم تفسير الأكنة والوقر.
وقرأ طلحة بن مصرف وِقْر ـ بكسر الواو ـ وتقدَّم الفرق بينهما.
قوله :" مِمَّا تَدْعُونَا " من في " مِمَّا " وفي " ومِنْ بَيْننا " لابتداء الغاية والمعنى أن الحِجاب ابتداء منا وابتداء منك فالمسافة المتوسطة جهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها، فلو لم تأتٍ " مِنْ " لكان المعنى أن حجاباً حاصل وسط الجهتين.
والمقصود المبالغة بالتبايُن المُفرِط، فلذلك جيء بِمِنْ قاله الزمخشري.
وقال أبو البقاء : هو محصول على المعنى ؛ لأن المعنى في أكنة محجوبةٍ عن سماع ما تدعُونا إليه.
ولا يجوز أن يكون نعتاً لأَكنَّةٍ ؛ لأن الأكنة الأغشية، وليس الأغشية مما تدعونا إليه.
فصل وقالوا : يعنى المشركين قلوبنا في أكنة أغطية، والأكنة جمع كنان، كأغطية جمع غطاء، والكِنان هو الذي جعل فيه السهام، والمعنى لا نفقهُ ما تقول، وفي آذاننا وقر أي صممٌ فلا نسمعُ ما تقول، والمعنى : إنا في ترك القبول عنك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع ومن بيننا وبينك حجاب، خِلاف في الدين، فلا نوافقك على ما تقول فاعمل أنت على دينك إنّا عاملون على ديننا.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٩٦