الثاني : أنه تعالى جمعهما جمع العقلاء فقال :﴿قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ﴾.
الثالث : قوله :﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾ [الأحزاب : ٧٢] وهذا يدل على كونها عارفة بالله، عالمة بتوجه تكليف الله تعالى.
وأجاب ابن الخطيب عن هذا القول : بأن المراد من قوله ﴿١٦٤٩; ئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً﴾ الإثبات الى الوجود والحدوث والحصول، فعلى هذا التقدير فحال توجه هذا الأمر كانت السموات والأرض معدومة، إذ لو كانت موجودةً فذلك لا يجوز، فثبت أن حال توجه هذا الأمر عليها كانت معدومة، وإذا كانت معدومة لم تكن فاهمة، ولا عارفة للخطاب، فلم يَجُزْ توجُّه الأمر عليها.
فصل روى مجاهدٌ وطاوس عن ابن عباس أنه قال : قال الله للسموات والأرض أخرجا ما فيكما من المنافع ومصالح العباد، أما أنتِ يا سماءُ فأطعلي شَمْسَكِ وقَمَركِ ونُجُومكِ، وأنت يا أرض فشقَّقي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتكِ، وقال لهما : افعلا ما آمركما طوعاً، وإلا ألجأتكما إلى ذلك (حتى) تفعلا فنقول : فعلى هذا التقدير لا يكون المراد من قوله : أتينا طائعين حدوثهما في ذاتهما، بل يصيرُ المراد من هذا الأمر أن يظهرا ما كان مودعاً فيهما، وهذا باطل ؛ لأنه تعالى قال :﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾ وذلك يدعل على حُدُوثَ السماء إنما حصل بعد قوله :﴿١٦٤٩; ئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً﴾.
فصل اعلم أن المقصود من هذا الكلام إظهار كمال القدرة، والتقدير ائتيا ذلك أو أَبَيْتُما كما يقول الجبار لمن تحت يده : لتفعلن هذا شِئْتَ أو أبيتَ، ولَتَفْعَلُنَّهُ طَوْعاً أو كَرهاً.
وقيل : إنَّهُ تعالى ذكر السماء والأرض، ثم ذكر الطوع والكره فوجب أن ينصرف الطوعُ إلى السماء والكرهُ إلى الأرض، وتخصص السماء بالطوع لوجوه : أحدهما : أن السماء في دوام حركتها على نهج واحد لا يختلف تُشْبِهُ حيواناً مطعياً لله عزَّ وجلَّ بخلاف الأرض فإنها مختلفة الأحوال، تارة تكون ساكنةً، وتارة تضطربُ.
وثانيها : أن الموجود في السماء ليس إلا الطاعة، قال تعالى :﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ
١١٢
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل : ٥٠] وأما أهل الأرض فليس كذلك.
وثالثها : أن السماء موصوفة بكمال الحال، وقيل : إنها أفضل الألوان وشكلها أفضل الأشكال وهو المستدير ومكانها أفضل الأمكنة، وهو العُلُوُّ، وسُكَّانُها أفضل الأجرام، وهي الكواكب المنيرة بخلاف الأرض فإنها مكان الظلمة والكثافة، واختلاف الأحوال وتغيير الذات والصفات فلا جرم عبَّر عن تكوين السماء بالطَّوْعِ وعن تكوين الأرض وبالكره.
قوله تعالى :﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ ف ينصب " سَبْعَ " أربعةُ أوجه : أحدها : أنه مفعول ثانٍ " لقَضَاهُنَّ " ؛ لأنه ضمّن معنى صيَّرهُنَّ بقضائه سبع سموات.
الثاني : أنه منصوب على الحال من مفعول " فقضاهن " أي قضاهن معدودةً، وقضى بمعنى " صَنَعَ " كقول أبي ذؤيب : ٤٣٥٥ـ وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا
دَاوُدُ أَوْ صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٠٢
أي صنعها.
الثالث : أنه تمييز ؛ قال الزمخشري : ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً مفسَّراً بسبع سمواتٍ على التمييز يعني بقوله " مبهماً "، أنه لا يعود على السماء، لامن حيث اللفظ، ولا من حيث المعنى بخلاف كونه حالاً أو مفعولاً ثانياً.
الرابع : أنه بدل من " هُنَّ " في " فَقََاهُنَّ " قاله مكي، وقال أيضاً : السماء، تذكَّر وتؤَنَّثُ، وعلى التأنيث جاء القرآن، ولو جاء على التذكير لقيل : سَبْعَةَ سمواتٍ.
وقد تقدم تحقيق تذكيره وتأنيثه في أوائل البقرة.
١١٣