فزينوا لهم الباطل، وهذا يدل على أنه تعالى أراد منهم الكفر.
وأجاب الجُبَّائيُّ بأنقال : لو أراد المعاصي لكانوا يفعلها مطيعين ؛ لأن الفاعل لما يريده منه غيره يجب أن يكون مطيعاً له.
وأجاب ابن الخطيب : بأنهن لو كان من فعل ما أراده غيره مطيعاً له لواجب أن يكون الله مطيعاً لعباده إذا فعل ما أرادوه فهذا إلزام الشيء على نفسه وإن أردت غيره فلا بد من بيانه حتى ينظر فيه هلا يصح أم لا.
قوله :" فِي أُمَمٍ " نصب على الحال من الضمير في " عَلَيْهِمْ " والمعنى كائنين في جملة إُمَمٍ، وهذا كقوّله (شِعْراً) : ٤٣٦٤ـ إنّْ تَكُ عَنْ أَحْسَنِ الصَّنِيعَة مَأْ
فُوكاً فَفِي آخَرِين قَدْ اَفِكُوا
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٣٠
أي في جملة قوم آخرين.
وقيل : في بمعنى " مع ".
فصل احتجّ أهل السنة بأنه تعالى أخبر أن هؤلاء حق عليهم القول فلو لم يكونوا كفاراً لا نقلب هذا الخبر الحق باطلاً، وهذا العلم جهلاً، وهذا الخبر الصدق كذباً، وكل ذلك محال، ومستلزم المحال فثبت أن صدور الإيمان وعدم صدور الكفر عنهم محال.
قوله (تعالى) :﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـاذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْاْ فِيهِ...
الآية اعلم أن الكلام ابتداء من قوله تعالى :﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ﴾ [فصلت : ٥] إلى قوله :﴿إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ [فصلت : ٥].
وأجاب الله تعالى عن تلك الشبهة واتصل الكلام إلى هذا الموضع، ثم إنه تعالى حكى عنهم شبهة أخرى فقال :﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـاذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْاْ فِيهِ﴾ العامة على فتح الغين وهي تحتمل وجهين : أحدهما : أن تكون من " لَغِيَ " بالكسر يَلْغَى، وفيها معنيان : أحدهما : من ألغى إذا تكلم باللغو وهو ما لا فائدة فيه.
١٣٢
والثاني : أنه من لغى بكذا أي رمى به فتكمون " في " بمعنى الباء أي ارموا به وانبذوه.
والثاني : من الوجهين الأولين : أن يكون من " لَغَا " بالفتح أيضاً حكاه الأخفش، وكان قياسه الضم كغزا يغزو، ولكنه فتح لأجل حرف الحلق.
وقرأ قتادة وأبو حيوة وأبو السمال والزعفراني وابن أبي إسحاق وعيسى بضم الغين، من لغا بالفتح يَلغُو كدَعَا يَدُعُوا، وفي الحديث :" فَقَدْ لَغَوْتَ " وهنذا موافق لقراءة غير الجمهور.
فصل قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : يعني الغَطُوا فيه، كان بعضهم يوصي بعضاً : إذا رأيتم محمداً يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر واللغو.
قال مجاهد : والغوا في بالمكاء والصّفير.
وقال الضحاك : أكثروا الكلام فختلط عليه ما يقول ؛ وقال السّدي صيحوا في وجهه.
" لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ " على قراءته، وهذا جهل منهم لأنهم في الحال أقروا بأنهم مشتغلين باللغو والباطل من العمل والله تعالى ينصر محمداً بفضله ولما ذكر الله تعالى هددهم بالعذاب الشديد وقال ﴿فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً﴾ وهذا تهديد شديد ؛ لأن لفظ الذوق إنما بذكر في القدر القليل الذي يؤتى به لأجل التجربة، ثم إنه تعالى ذكر أن ذلك الذوق عذاب شديد، فِإن كان القليل منه عذاباً شديداً فكيف يكون حال الكثير منه ؟ ! ثم قال :﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ قال أكثر العلماء : المراد بالأسوأ أي أقبح أعمالهم لأنهم أحبطوها بالكفر فضاعت أعمالهم الحسنة، ولم يبق معهم إلا الأعمال القبيحة فلا جرم لم يحصلوا إلا على السيئات.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٣٠
قوله تعالى :" ذَلِكَ " فيه وجهان : أحدهما : أنه مبتداً و " جزاء " خبره.
والثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف أي : الأمر ذلك ﴿أَعْدَآءِ اللَّهِ النَّارُ﴾ جملة مستقلة مبنيةٌ للجملة قبلها.
(قوله) :" النار " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنها بدل من " جزاء " وفيه نظر ؛ إذ البدل يحل محلّ المبدل منه فيصير التقدير ذلك النار.
الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر.
الثالث : أنه مبتدأ و ﴿لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ﴾ الخبر، و " دَارُ " يجوز ارتفاعها بالفاعليَّة أو الابتداء.
وقوله :﴿فِيهَا دَارُ الخُلْدِ﴾ يقتضي أن يكون " دار الخلد " غير النار، وليس كذلك بل النار هي نفس دار الخلد.
وأجيب عن ذلك : بأنه قد يجعل الشيء ظرفاً لنفسه باعتبار متعلَّقه على سبي المبالغة، لأن ذلك المتعلق صار مستقراً له، وهو أبلغ من نسبة المتعلق إليه على سبيل الإخبار به عنه.
ومثله قول الآخر : ٤٣٦٥ـ.....................
وَفيِ اللهِ إنْ لَمْ تُنْصِفُوا حَكَمٌ عَدْلُ
١٣٤


الصفحة التالية
Icon