وتقدم الخلاف في تعليق أعلم.
و " مِنْ " للغاية.
والصحيح وقوعه سماعاً من العرب.
وجوَّز أبو حاتم أن يوقف على " آذنَّاكَ " وعلى " ظنوا " ويبتدأ بالنفي بعدهما على سبيل الاستئناف.
و " مِنّا " خبر مقدم.
و " مِنْ شَهِيدٍ " مبتدأ، ويجوز أن يكون " مِنْ شَهِيدٍ " فاعلاً بالجار قبله ؛ لاعتماده على النفي.
فصل في معنى الآية وجوه : قيل : ليس أحد منا يشهد بأن لك شريكاً لما عاينوا العذاب تبرأوا من الأصنام.
١٥٤
وقيل : معناه ما منا أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم فلا يبصرونها في ساعة التوبيخ وقيل : هذا كلام الأصنام كأن الله يجيبها، ثم إنها تقول :" مَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ " بصحة ما أضافه إلينا من الشركة، وعلى هذا التقدير فمعنى ضلالهم عنهم (أنهم لا ينفعونهم وهي معنى قوله :﴿وَضَلَّ عَنْهُم) مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ﴾ [فصلت : ٤٨].
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٤٨
قوله تعالى :﴿وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ﴾ كقوله :" مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ " ومعناه : أنهم أيقنوا أنهم لا محيص لهم عن النار أي مهرب، وهذا ابتداء كلام من الله تعالى.
قوله تعالى :﴿اَّ يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ الْخَيْرِ﴾...
الآية لما بين تعالى من حال هؤلاء الكفار (أنهم) بعد أن كانوا مصرين على القول بإثبات الشركاء والأضداد لله في الدنيا تبرأُوا عن تلك الشركاء في الآخرة بين أن الإنسان في جميع الأوقات متغير الأحوال، فإن أحسَّ بخير وقدرة تعاظم، وإن أَحسَّ ببلاءٍ ومحنةٍ ذُلَّ.
والمعنى أن الإنسان في حال الإقبال لا ينتهي إلى درجة إلا ويطلب الزيادة عليها، وفي مجال الإدبار والحِرمان يصير آيساً قناطاً.
وفي قوله ﴿فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾ مُبالغةٌ من وجيهن : أحدهما : من طريق فعول.
والثاني : من طريق التكرار.
واليأس من صفة القلب، والقنوط أن يظهر آثار اليأس في الوجه والأحوال الظاهر.
ثم بين تعالى أن الذين صار آيساً قانطاً لو عاودَتْهُ النعمة والدَّولة وهو قوله :﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ
١٥٥
رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ﴾ فِإنه يأتي بثلاثة أنواع من الأقوايل الفاسدة الموجبة للكفر والبعد عن الله.
فالأول : قوله ﴿لَيَقُولَنَّ هَـذَا لِي﴾ وهو جواب القسم لسبقه الشرط، وجواب الشرط محذوف كما تقدم تقريره.
وقال أبو البقاء : ليقولن جواب الشرط والفاء محذوفة.
قال شهاب الدين (رحمه الله) وهو لايجوز إلا في شعر كقوله : ٤٣٦٧ـ مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا
.....................
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٥٥
حتى إنَّ المبرد يمنعه في الشعر، ويروى البيت :
٤٣٦٨ـ مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ فَالرَّحْمنُ يَشْكُرُهُ
فصل معنى قوله :" هذَا لي " أي هذا حقي وصل إِليَّ ؛ لأني استوجبته بعلمي وعملي، ولا يعلم المِسْكِنُ أن أحداً لا يستحق على الله شيئاً، لأنه إن كان عارياً من الفضائل، فلاكمه ظاهر الفساد، وإن كان موصوفاً بشيء من الفضائل والصفات الحميدة فهي إنما حصلت بفضل الله تعالى وإحسانه، فيثبتُ بهذا فساد قوله : إنما حصلت هذه الخيرات بسبب استحقاقي.
النوع الثاني من كلامه الفاسد : قوله :﴿وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئِمَةً﴾، والمعنى أنه يكون شديد الرغبة في الدنيا عظيم النُّفرة عن الآخرة فإذا آل الأمرُ إلى أحوال الدنيا يقول : إنها لي، وإذا آل الأمر إلى الآخرة يقول : وَمَا أظُنُّّ السَّاعَةَ قَائِمَة.
النوع الثالث : من كلامه الفساد : قوله :﴿وَلَئِن رُّجِّعْتُ إِلَى رَبِّى إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى ﴾ أي أن هذا الكافر يقول : لست على يقين من البعث وإن كان الأمر على ذلك ورُدِدْتُ إلى ربي إن لي عنده الحسنى أي الجنة، كما أعطاني في الدنيا سيعطيني في الآخرة : ولما
١٥٦