قال أبو حيان : والظاهر أن هذا وهمٌ، لأن ابن خالويه قال في شاذِّ القرآن ما نصه " تَنْفَطِرْنَ " بالتاء والنون يُونسُ عن أبي عمرو.
قال ابن خالويه : وهذا حرف نادر ؛ لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث لا يقال : النساء تقُمْنَ، ولكن يَقُمْنَ، والوالِدَاتُ يُرْضِعنَ ولا يقال : تُرضِعن.
وقد كان أبو عمر الزَّاهِدُ روى في نوادر ابن الأعرابي : الإبل تتشمَّمْنَ فأنكرناه، فقد قواه الآن هذا.
قال أبو حيان : فإن كانت نسخُ الزمخشري متفقةً على قوله : بتاءين مع النون " فهو وهم، وإن كان في بعضها بتاء مع النو كان موافقاً لقول ابن خالويه وكان بتاءين تحريفاً من النساخ وكذلك كتبهم تتفطَّرن وتَتشمَّمْنَ بتاءين.
انتهى.
قال شهاب الدين : كيف يستقيم أن يكو(ن) كتبهم تتشمَّمن بتاءين وهماً وذلك لأن ابن خالويه أورده في معرض الندرة والإنكار حتى يقوى عنده بهذه القراءة، وإنما يكون نادراً منكراً بتاءين، فإنه حينئذ يكون مضارعاً مسنداً لضمير الإبل، فكان من حقه أن يكون حرف مضارعته ياء منقوطة من أسفل، نحو : النِّساءُ يقُمن فكان ينبغي أن يقال : الإبل يتشمَّمن بالياء من تحت ثم بالتاء من فوق، فلما جاء بتاءين كلاهما من فوق ظهر نُدُوره وإنكاره، ولو كان على ما قال أبو حيان : إن كتبهم بتاءين وهماً بل كان ينبغي كتبه بتاء واحدة لما كان فيه شذوذ ولا إنكار، لأنه نظير : النِّسوة تدحرجْنَ فإنه ماض مسندٌ لضمير الإناث، وكذا لو كتبت بياء من تحت وتاء من فوق لم يكن فيه شذوذ، ولا إنكار.
وإنما يجيء الشذوذ والإنكار إذا كان بتاءن منقوطتين من فوق، ثم إنه سواء قُرِىء تتفطَّرن بتاءين أو بياء ونون، فإنه نادر لما ذكر ابن خالويه، وهذه القراءة لم يقرأ بها في نظيرتها في سورة مريم.
قوله :" مِنْ فَوْقِهِنَّ " في هذا الضمير ثلاثة أوجه : أحدها : أنه عائد على السموات، أي كل واحدة منها تتفطَّرُ فوق التي تليها من قول المشريكن :﴿اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً﴾ [الكهف : ٤] كما في سورة مريم، أي يبتدىء
١٦٥
انفطارهُنَّ من هذه الجهة " فِمَنْ " لا بتداء الغاية متعلقة بما قبلها.
الثاني : أنه يعود على الأرضين ؛ لتقدم ذكر الأرض.
الثالث : أنه يعود على فرق الكفار والجماعات الملحدين.
قاله الأخفش الصغير.
وأنكره مكي وقال لا يجوز ذلك في المذكور من بني آدم، وهذا لا يلزم الأخفش فإنه قال على الفرق والجماعات فراعى ذلك المعنى.
فصل قال الزمخشري : كلمة الكفر إنَّما جاءت من الذين تحت السموات، وكان القياس أن يقال : ينفطِرن من تحتهن (أي) من الجهة التي (تحت) جاءت منها الكلمة، ولكن بُولغ في ذلك فجعلت مؤثرة مِنْ جهة الفوقِ، فكأنه قيل : يكون ينفطرن من الجهة التي فوقهنَّ، دع الجهة التي تحتهن.
ونظيره في المبالغة، قوله تعالى :﴿يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ﴾ [الحج : ١٩، ٢٠].
فجعل مؤثراً في أجزائهم الباطنة.
وقال ابن الخطيب : يعني من فوقهن أي من فوق الجهة التي حصلت هذه السموات فيها، وتلك الجهة هي فوق، فقولهن : من فوقهن أي من الجهة الفوقانيَّة التي هُنَّ فيها.
قوله :﴿وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ فالتسبيح عبارة عن تنزيه الله تعالى عما لا ينبغي والتحميد عبارة عن وصفه بكونه مُفيضاً لكُلِّ الخيرات.
قوله :﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ﴾ أي من المؤمنين كما حكى عنهم في سورة المؤمن فقال :﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ [غافر : ٧].
فإن قيل :(قوله) : ويستغفرون لمن في الأرض عام، فيدخل فيهم الكفار وقد لعنهم الله تعالى فقال :﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلا اائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [البقرة : ١٦١] فيكف (يكونون) لا عنين لهم ومستغفرين لهم ؟ ! قال ابن الخطيب : والجواب من وجوه :
١٦٦


الصفحة التالية
Icon