بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بأرْضٍ فَلاَةٍ فانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهضا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرةً فاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنضا هُوَ كَذَلِكَ إذْ هُوَ بِهَا قَائِمةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخُطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ : اللَّهُمَّ أنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ " أخطأ من شدَّة الفَرَحِ.
قوله :﴿وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ قرأ الأخوان وحَفْصٌ يَفْعَلُونَ بالياء من تحت ؛ نظراً إلى قوله :" مِنْ عِبَادِهِ " وقال بعده :﴿وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ﴾ والباقون بالخطاب إقبالاً على اناس عامةً، وهو خطاب للمشركين.
قوله تعالى :﴿الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ يجوز أن يكون الموصول فاعلاً أي يجيبون ربهم إذا دعاهم كقوله تعالى :﴿اسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال : ٢٤] واستجاب كأجاب، ومنه قوله الشاعر : ٤٣٨١ـ وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إلَى النَّدَى
فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَلِكَ مُجِيبُ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٨١
ويجوز أن تكون السين للطلب على بابها بمعنى ويستدعي المؤمنون الإجابة من ربهم بالأعمال الصالحة.
ويجوز أن يكون الموصول مفعولاً به والفاعل مضمر يعود على الله بمعنى : ويُجيبُ الذينَ آمنوا اي دُعَاءَهُمْ.
وقيل : ثَمَّ لام مقدرة أي ويستجيبُ الله لِلذِينَ آمنوا، (فحذفها، للعلم بها، كقوله :﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ﴾ [المطففين : ٣] قال عطاء عن ابن عباس
١٩٥
معناه : ويُثِيبُ الذين آمنوا) وعلموا الصالحات ﴿وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ﴾ سِوَى ثواب أعمالهم تفضلاً منه، وروى أبو صالح عه : يشفعهم ويزيدهم من فضله.
(ثُمَّ) قال في أخونان إخوانهم :﴿وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾.
قوله تعالى :﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأَرْضِ﴾، قال خَبَّاب بن الأرتِّ : فينا نزلت هذه الآية، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قُرَيْظَة والنَّضير وبني قَينقاعَ وتمنيناها فأنزل الله عز وجل ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ﴾، لطغوا في الأرض، قال ابن عباس ـ (رضي الله عهنما)ـ : بغيهم طَلَب(ـهم) منزلةً بعد منزلة، ومركباً بعد مركب وملبساً بعد ملبس، ولكن ينزل أرزاقهم قدر ما شاء نظراً منه لعباده.
(قرأ ابن كثير وأبو عمر يُنَّزِّلُ مشددة، والباقون مخففة) إنَّه بعباده خبيرٌ بصيرٌ.
روى أنس بن مالك عن النبي ـ صلى الله علهي وسلم ـ عن جبريل عن الله عز وجل في حديث طويل وفيه يقول الله عزَّ وجلَّ :" ما تَرَدَّدْتُ في شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي في قَبْضِ رُوحِ عَبْدِي المُؤْمِن يَكْرَهُ المَوْتَ وأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ وَلا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وإنَّ مِنْ عِبَادِي المُؤْمِنِينَ لمَنْ يَسْأَلُنِي البَابَ عَنِ العِبَادَةِ فأَكُفُّهُ عَنْهُ (أّنْ) لاَ يَدْخُلَهُ عُجْبٌ فيُفْسِدَهُ ذَلِكَ وَإنَّ مِنْ عِبَادِي المُؤْمِنِينَ لمَنْ لاَ يُصْلِحُ إيمَانَهُ إلاَّ الغِنَى وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وإنَّ مِنْ عِبَادِي (المُؤمِنِينَ) لمَنْ لاَ يًصْلِحُ إيمَانهُ إلاَّ الفَقْرُ ولو أَعْنَيْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وإنَّ مِنْ عِبَادِي (المُؤْمِنِينَ) لمَنْ لاَ يًصْلِحُ إيمانَهُ إلاَّ الصِّحَّةُ، وَلَوْ أَسْقَمتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وإنَّ مِنْ عِبَادِي (المُؤْمِنِينَ) لمَنء لاَ يُصْلِحُ إيمَانَهُ إلاَّ السَّقَمُ وَلَوْ أَصْحَحْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ وذّلِكَ أَنِّي أُدَبِّرُ أَمْرَ عِبَادِي بِعِلْمِي بِقُلُوبِهِمْ ِإنِّي عَلِيمٌ خَبِيرٌ ".
فصل وجه التعلق أنه تعالى لما قال في الآية الأولى إنه يجيب دعاء المؤمنين وَرَدَ عليه سؤالٌ وهو أن المؤمن قد يكون في شدة وبليَّةٍ وفَقْر ثم يدعو فلا يظهر أثر الإجابة فكيف الجمع بينه وبين قوله : ويستجيب الذين آمنوا ؟ ! فأجاب تعالى عنه بقوله :﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأَرْضِ﴾، ولأقدموا على المعاصي، فلذلك وجب أن لا يعطيهم ما طلبوه، ويؤيده الحديث المتقدم.
فصل قال الجبائِيُّ : هذه الآية تدل على فساد قول المجبرة من وجهين :
١٩٦