سورة الزخرف
مكية وهي تسع وتسعون آية، وثانمائة وثلاث وثلاثون كلمة، وثلاثة آلاف وأربعمائة حرف.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٢٥
قوله تعالى :﴿حما وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ إن جعلت " حم " قسماً كانت الواو عاطفة، وإن لم تكن الواو للقسم.
وقوله :﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ﴾ جواب القسم.
وهذا عندهم من البلاغة، وهو كون القسم والمقسم عليه من وادٍ واحدٍ، كقول أبي تمام : ٤٣٨٨ـ...................
وَثَنَايَاك إنَّها إغْريضُ
إن أريد بالكتاب القرآن، وإن أُرِيدَ به جنس الكتب المنزلة غير القرآن لم يكن من ذلك.
والضمير في " جَعَلْنَاهُ " على الأول يعود على الكتاب وعلى الثاني للقرآن وإن لم
٢٢٦
يصرح بذكره.
والجَعْلُ في هذا تصيير، ولا يلتفت لخطأ الزمخشري في تَجْوِيزِه أن يكون بمعنى خلقانه.
فصل ذكر المفسرون في هذه الآية وجهين : الأول : أن يكون التقدير هذه حم والكتاب المبين فيكون المقسم واقعاً على أن هذه السورة هي سورة حم.
الثاني : أن يكون القسم واقعاً على قوله :﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾.
وفي المراد بالكتاب قولان : أحدهما : أنه القرآن فيكون قد أقسم بالقرآن أنه جعله عربياً.
والثاني : المراد بالكتاب الكتابة والخط، أقسم بالكتاب لكثرة ما فيه من المنافع، ووصف الكتاب بأنه مبين أي أبان طريق الهدى من طريق الضلال، وأبان ما يحتاج إليه الأمة من الشريعة وتسميته مبيناً مجاز ؛ لأن المبين هو الله تعالى وإنما سمي القرآن بذلك توسعاً من حيث إنه حصل البيان عنده.
وقوله :" جَعَلْنَاهُ " أي صَيَّرْنَا قراءة هذا الكتاب عربياً.
بيّناه.
وقيل سميناه وقيل وضعناه.
يقال : جَعَلَ فُلاَنٌ زَيْداً عَالِماً، أي وصفه بهذا، كقوله :﴿وَجَعَلُواْ الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثاً﴾ [الزخرف : ١٩] و ﴿جَعَلُواْ الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ [الحجر : ٩١] ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ [التوبة : ١٩] كلها مدفوع من وجهين : الأول : أنه لو كان المراد من الجعل التسمية لزم أن سماه عجمياً أنه يصير عجمياً، وإن كان بلغة العرب، وهذا باطل.
٢٢٧
الثاني :(أنه) لو صرف الجَعْلُ إلى التسمية لزم كونُ التسمية مجعولة، والتسمية أيضاً كلام الله وذكل أنه جعل بعض كلامه، وإذا صح ذلك في البعض صح في الكل.
الثاني : أنه وصفه بكونه قرآناً، وهو إنما سمي قرآناً، لأنه جعل بعضه مقروناً بالبعض، وما كان ذلك مصنوعاً.
الثالث : وصفه بكونه عربياً، وإنما يكون عربياً، لأن العرب اختصت بضوع ألفاضه واصطلاحهم، وذلك يدل على أنه مجعول.
والتقدير : حَم وَرَبِّ الكِتَابِ المُبِينِ.
ويؤكد هذا بقولهن ـ عليه الصلاة والسلام ـ " يَا رَبَّ طَه وَيس، ويَا ربِّ القُرْآنِ العَظِيم ".
وأجاب ابن الخطيب : بأن هذا الذي ذكرتموه حق ؛ لأنكم استدللتم بهذه الوجوه على كون الحروف المتواليات والكلمات المتعاقبة مُحْدَثَةً، وذلك معلوم بالضرورة وَمَنِ الذي ينازعكم فيه.
قله :﴿لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ كلمة " لَعَلَّ " للتمني والترجي، وهي لا تليق بمن كان عالماً بعواقب الأمور، وكان المراد ههنا : إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبيًِّا لأجل أن تُحِطُوا بمَعْنَاه.
قوله تعالى :﴿وَإِنَّهُ فِى أُمِّ الْكِتَابِ﴾ متعلقان بما بعدهما، ولا تمنع اللام من ذلك.
ويجوز أن يكونا حالين مما بعدهما ؛ لأنهما كمانا وصفين له في الأصل فيتعلقان بمحذوف، ويجوز أن يكون " لدينا " متعلقاً بما تعلق به الجار قبله، إذا جعلناه حالاً من لَعَلِيّ، وأن يكون حالاً من الضمير المستتر فيه.
وكذا يجوز في الجار أن يتعلق بما تعلق به الظرف وأن يكون حالاً من ضميره عند من يجوز (تقديمها) على العامل المعنوي، ويجوز أن يكون الظرف بدلاً من الجار قبله، وأن يكونا حالين من " الكتاب " أو مِنْ " أُمِّ ".
ذكر هذه الأوجه الثلاثة أبو البقاء، وقال :" ولا يجوز أن يكون واحدٌ من الظرفين خبراً ؛ لان الخبر لزم أن يكون " عَلِيًّا " من أجل اللام ".
قال شهاب الدين : وهذا يمنع
٢٢٨