قوله :﴿وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ خاصة، يعني الجنة للمتقين عن حب الدنيا.
قال عليه الصلاة والسلام :" لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَزِثُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوَضَةٍ مَا سَقَى مِنْهَا كَافِراً قَطْرَةَ مَاءٍ ".
وروى المُسْتَوْردُ بنُ شداد قال :" كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله ـ ﷺ ـ على السحلة الميتة، فقال رسول الله ﷺ : أتُرى هذه هانت على أهلها حين ألقوها ؟ قالوا : مِنْ هَوانِها أَلقَوْهات، قال رسول الله ﷺ :" فالدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أهْلِهَا ".
فإن قيل : لما بين تعالى أنه لو فتح على الكافر أبواب النعم لصار ذلك سبباً لاجتماع الناس على الكفر، فلم لم يفعل ذلك بالمسلمين حتى يصير ذلك سبباً لاجتماع الناس على الإسلام ؟ !.
فالجواب : لأن الناس على هذا التقدير كانوا يجتمعون على الإسلام، لطلب الدنيا، وهذا الإيمان إيمان المنافقين، فكان الأصوب أن يضيق الأمر على المسلمين حتى أن كل من دخل الإسلام فإنما يدخل لمتابعة الدليل، ولِطَلَبِ رضوان الله تعالى، فحينئذ يعظم ثوابه لهذا السبب.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٥٥
قوله :﴿وَمَن يَعْشُ﴾ العامة على ضم الشين من عَشَا يَعْشُو، أي يَتَعَامَى، ويَتَجَاهَلُ.
وعن ابن عباس وقتادة ويَحْيَى بْنِ سَلاَّم بفتح الشين بمعنى يَعْمَ، يقال : عَشِيَ يَعْشَى
٢٥٩
عَشاً إذَا عَمِيَ، فَهُوَ أَعْشَى، وامرأَةٌ عَشْوَاء.
وزيد بن علي يَعْشُو بإثبات الواو.
وقال الزمخشري : على أن من موصولة، وحق هذا أن يقرأ نُقَّيِّضُ بالرفع.
قال أبو حيان : ولا يتعين موصوليتُها، بل يخرج على وجهين، إما تقدير حذف حركة حرف العلة، وقد حكاها الأخفش لغةً، وتقدم منه في سورة يُوسُفَ شواهدُ.
وإما على أنه جُزِمَ بمَنْ المَوْصُولَة تشبيهاً لها بمَنْ الشَّرْطيَّة.
قال : وإذا كانوا قد جزموا بالذي وليس بشرط قَط فأولى بما استعمل شرطاً وغير شرط، وأنشد : ٤٤٠٢ـ وَلاَ تَحْفِرَنْ بئْراً تُريدُ أَخاً بِهَا
فَإنَّكَ فِيهَا أَنْتَ مِنْ دُونِهِ تَقَعْ
كَذَلِكَ الَّذِي يَبْغِي عَلَى النَّاسِ ظَالِمًا
تُصِبْهُ عَلَى رَغْمٍ عَواقِبُ مَا صَنَعْ
قال : وهو مذهب الكوفيين، وله وجه من القياس، وهو أنَّ " الذي " أشْبَهَتْ اسم الشرط في دخول الفاء في خبرها، واسم الشرط في الجزم أيضاً، إلا أن دخخول الفاء منقاسٌ بشرطه وهذا لا يَنْقَاسُ.
٢٦٠
ويقال : عَشَا يَعْشُوا، وَعشِيَ يَعْشَى، فبعضهم جعلهما بمعنًى.
وبعضهم فرق بأن عَشِيَ يَعْشَى، إذا جعلت الآفة في بصره، وأصله الواو.
وإنما قبلت ياء، لانكسار ما قبلها، كَرَضِيَ يَرْضَى.
وعَشَا يَعْشُو أي تفاعل ذلك، ونَظَرَ نَظَرَ العُشْي، ولا آفة ببصره.
كما قال : عَرِجَ لمن به آفة العرج.
وعَرَجَ لمن تعارج ومشى مِشْيَة العرْجَانِ.
قال ـ (رحمةُ اللهِ عليه) ـ : ٤٤٠٣ـ أَعْشُو إِذَا مَا جَارَتِي بَرَزَتْ
حَتَّى يُوارِي جَارَتِي الخِدْرُ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٥٩
أي أنظر نظر العُشْي، وقال آخر : ٤٤٠٤ـ مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُوا إلى ضَوْءِ نَارِهِ
تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ
أي ينظر نظر العُشي لضعف بصره من كثرة الوقُود.
وفرّق بعضهم : بأن عشوت إلى النار إذَا استدللت عليها بنظر ضعيف.
وقال الفَرَّاء عَشَا يَعْشُوا : يُعْرِضُ، وعَشِيَ يَعْشَى عَمِيَ، إلا أن ابن قتيبةَ قال : لم نَرَ أحداً حكى : عَشَوْتُ عَنِ الشيء، أعْرَضْتُ عنه، وإنما يقال : تَعَاشَيْتُ عن كَذَا، إذا تَغَافَلْت عنه وتَعَامَيْت.
قوله :" نُقَيِّضْ " قراءة العامة بنون العظمة وعَلِيّ بن أبي طالب، والأعمش ويعقوبُ، والسُّلَمِيّ، وأبو عَمْرو، وعاصمٌ في روايةٍ عنهما : يُقَيِّضْ بالياء من تحت.
أي يُقَيِّض الرحمنُ.
و " الشيطان " نصب في القراءتين وابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ
٢٦١