قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـاذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِى } أي أنهار النيل ومعظمها نهر الملك، ونهر طُولون، ونهر دِمياط، ونهر تنيس.
قيل : كانت تجري تحت قصره وحاصل الأمر أنه احتج بكثرة أمواله، وقوة جاهه على فضيلة نفسه.
ثم قال :﴿أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾ من تحت قصري.
وقال قتادة : تجري من بين يدي في جناني وبستايني، وقال الحسن : بأمري أفلا تبصرون عظمتي وشدة ملكي.
وقيل من ملك القِبْطَ يسمى فرعون، ومن ملك اليهود يسمى قبْطون والمعروف مالخ، ومن ملك الصابئة يسمى نُمرود، ومن ملك البربر يسمى جالوت، ومن ملك الهند يسمى بهمن، وقيل يعفور، ومن ملك فرغانة يسمى الإخشيد، ومن ملك العرب من قبل العجم يسمى النعمان.
قوله :﴿وَهَـاذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي﴾ يجوز في " وهذه " وجهان : أحدهما : أن تكون مُبْتَدَأَةً، والواو للحال، و " الأنهار " صفة لاسم الإشارة، أو عطف بيان و " تَجْرِي " الخبر والجملة حال من ياء " لِي ".
والثاني : أن هذه معطوفة على " مُلْكِ مِصْرَ " و " تجري " على هذا حال أي أليس ملك مصر وهذه الأنهار جارية ؟ ! أي الشيئان.
قوله :" تبصرون " العامة على الخطاب لمن ناداهم، وقرأ عيسى بكسر النون أي تُبًصِرُونِي وفي قراءة العامة المفعول محذوف أي تبصرون مُلْكِي وعَظَمَتِي.
وقرأ فَهْدُ بْنُ الصَّقْر : يُبْصِرُونَ بياء الغيبة، إما على الالتفات من الخطاب إلى الغيبة وإما رداً على قوم موسى.
قوله :﴿أَمْ أَنَآ خَيْرٌ﴾ في أم هذه أقوال : أحدها : أنها منقطعة، فتقدر بـ " بَلْ " التي لإضراب الانتقال، وبالهمزة التي للإنكار.
والثاني : أنها بمعنى بل فقط، كقوله :
٢٧٥
٤٤١١ـ بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ فِي رُوْنَقِ الضُّحَى
وَصُورَتُهَا أَمْ أَنْتِ فِي العَيْنِ أَمْلَحُ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٧٠
أي بل أنت.
الثالث : أنها منقطعة لفظاً متصلة معنى.
قال أبو البقاء :" أم هنا منقطعة في اللفظ لوقوع الجملة بعدها في اللفظ، وهي في المعنى متصلة معادلة ؛ إذ المعنى أنا خير منه أم لا ؟ وأينا خير ؟ " وهذه عبارة غريبة أن تكون منقطعة لفظاً متصلة معنى وذلك أنهما مَعْنيَانِ مختلفان، فَإِنَّ الانقطاع يقتضي إضْراباً إما إبْطالاً، وإِما انتقالا.
الرابع : أنها متصلة، والمعادل محذوف، تقديره : أَمْ تُبْصِرُونَ ؟ وهذا لا يجوز إلا إذا كانت " لا " بعد " أم "، نحو : أتقوم أم لا ؟ أي أم لا تقوم، وأزيد عندك أم لا ؟ أي أم لا هو عندك أما حذفه دون معادل فلا يجوز.
وقد جاء حذف " أم " مع المعادل، وهو قليل جداً، قال الشاعر : ٤٤١٢ـ دَعَانِي إِلَيْهَا القَلْبُ إِني لأَمْرِهَا
سَمِيعٌ فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلاَبُهَا ؟
أي أم غيّ.
ونقل أبو حيان عن سيبويه أن هذه هي أم المعادلة، أي أم تبصرون الأمر الذي هو حقيق أن يُبْصَر عنده وهو أنه خير من موسى.
قال : وهذا القول بدأ به الزمخشري فقال : أم هذه متصلة ؛ لأن المعنى أَفَلاَ تُبْصِرُونَ أمْ تُبْصِرُونَ ؟ إلا أنه وضع قوله :" أنا خير " موضع " تبصرون " لأنهم إذا قالوا : أنت خير
٢٧٦
فَهُمْ عنده بصراء، وهذا من إنزال السبب منزلة المُسَبَّب.
قال أبو حيان : وهذا متكلف جداً، إذ المعادل إنما يكون مقابلاً للسابق فإن كان المعادل جملة فعلية، كان السابق جملة فعلية، أو جملة إسمية يتقدر منها جملة فعلية، كقوله :﴿أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ [الأعراف : ١٩٣] ؛ لأن معناه أو صمتُّم وهنا لا يتقدر منها جملة فعلية لأن قَوْلَهُ :﴿أَمْ أَنَآ خَيْرٌ﴾ ليسي مقابلاً لقوله : أفَلا تُبْصِرُونَ، وإن كان السابق اسماً كان المعادل اسماً أو جملة فعلية يتقدر منها اسم نحو قوله :
٤٤١٣ـ اَمُخْدَجُ اليَدَيْنِ أَمْ أَتَمَّتِ ؟
" فأتمت " معادل للاسم والتقدير : أم مُتِمًّا ؟.
قال شهاب الدين : وهذا الذي رده على الزمخشري رده على سيبويه، لأنه هو السابق به وكذا قوله أيضاً : إنه لا يحذف المعادل بعد " أم " وبعدها " لا " فيه نظر في تجويز سيبويه حذف المعادل دون لا فهو رد على سيبويه أيضاً.
قوله :" ولا يكاد يبين " هذه الجملة يجووز أن تكون معطوفة على الصلة وأن تكمون مستأنفة وأن تكون حالاً.
والعامة على يُبِينُ من أَبَانَ، والباقون : يَبِينشُ ـ بفتح الياء ـ من بَانَ أي ظَهَرَ.
فصل قال أكثر المفسرين :" أم " هنا بمعنى " بل " وليس بحرف عطف.
قال الفراء : الوقف على قوله أم وفيه إضمار مجارز(ه) أفلا تُبْصِرُونَ أَمْ تُبْصِرُونَ ؟ لكنه اكتفى بلفظ " أم "
٢٧٧