ثم قال : فـ " على علم " حال إما من الفاعل، أو من المفعول، و " على ظهر " حال من الفاعل في " تعذرت " والعامل في الحال هو العامل في صاحبها.
(وفيه نظر، لأن قوله أولاً : ولذلك تعلقا بفعل واحد لما اختلف المدلول ينافي جعل الأولى حالاً، لأنها لم تتعلق به، وقوله : والعامل في الحال هو العامل في صاحبها) لا ينفع في ذلك.
فصل قيل : هذه الآية تدل على كونهم أفضل من كل العَالَمِينَ.
وأجيب : بأن المراد على عَالَمِي زَمَانِهِمْ وقيل : هذا عام دخله التخصيص.
كقوله :﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران : ١١٠].
قوله :﴿وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الآيَاتِ﴾ مثل فَلْق البحر، وتَظْلِيلِ الغمام وإنزال المَنِّ والسَّلوَى، والنِّعم التي أنعمها عليهم.
وقال ابن زيد : ابتلاهم بالرخاء والشدة، وقرأ :﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء : ٣٥] ؛ لأنه تعالى كما بلو بالمحنة فقد يبلو أيضاً بالنعمة، ليتميز به الصديق على الزِّنديق.
وههنا آخر الكلام على قصة موسى عليه الصلا ة والسلام.
٣٢٥
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣١٨
قوله :﴿إِنَّ هَـاؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ﴾ يعني مشركي مكة، ليقولون :﴿هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأُوْلَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ﴾ بمبعوثين بع موتنا.
واعلم أنه رَجَعَ إلى ذكر كفار مكة ؛ لأن الكلام كا فيهم حيث قال :﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾ [الدخان : ٩] أي بل هم في شك من البعث والقيامة.
ثم بين كيفية إصرارهم على كفرهم ثم بين أن قوم فرعون كانوا في الإصرار على الكفر مثلهم، وبين كيف أهلكهم وكيف أنعم على بني إسرائيل ثم رجع إلى كفار مكة وإنكارهم للبعث فقال :﴿هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأُوْلَى ﴾.
فإن قيل : القوم كانوا ينكرون الحياة الثانية، فكان من حقهم أن يقولوا : إن هذي إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين.
فالجواب : قال الزمخشري : إنه قيل لهم : إنكم تموتون موتةً يَعْقُبُهَا حياةٌ كما أنكم حال كونكم نطفاً كنتم أمواتاً وقد يعقبها حياة، كقوله :﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [البقرة : ٢٨] فقالوا :﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأُوْلَى ﴾ يريدون : مال الموتة التي من شأنها أن تعقبها حياة إلا الموتة الأولى خاصة، ولا فرق إذن بين هذا الكلام وبين قوله :" إن هِيَ إلاَّ حَيَاتُنا الأُولى ".
قال ابن الخطيب : ويمكن وجه آخر وهو أن قوله :﴿إن هي إلا موتننا الأولى﴾، يعنى أنه لا يأتينا من الأحوال الشديدة إلا الموتة الأولى وهذا الكلام يدل على أنه لا يأتيهم الحاية الثانية ألبتةَ، ثم صرحوا بهذا المرموز فقالوا :﴿وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ﴾.
ولا حاجة إلى التكليف الذي ذكره الزمخشري.
ثم إنَّ الكفار احتجوا على نفي الحشر، والنشر بأن قالوا : إن كان البعث والنشر ممكناً معقولاً فعجَّلوا لنا إحياء من مات من آبائنا إن كنتم صادقين في دعوى النبوة والبعث في القيامة.
قيل : طلبوا من الرسول ـ ﷺ ـ أن يَدْعُوا الله حتى ينشر قصَيَّ بْن كِلاَب، ليشاوروه في صحة نبوة محمد وفي صحة البعث.
ولما حكى الله تعالى عنهم ذلك قال :﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ وهذا استفهام على سبيل الإنكار قال أبو عبيدة :(ملوك اليمن) كل واحد منهم يسمى تُبَّعاً ؛ لأن أهل المدينة
٣٢٦