(فصل لما ذكر الدليل على إثبات البَعْث والقيامة ذكر عَقِيبه يوم الفصل قال الحسن : سمي بذلك لأن الله تعالى يفصل فيه بين أهل الجنة، وأهل النار.
وقيل : إن الله فيه بين وبين ما يريد.
وقيل : يظهر ح ال كل أحد كما هو فلا يبقى إلاَّ الحقائقُ والبَيِّنات، ثم وصف ذلك اليوم فقال :" يَوْمَ لاَ يُغْني " يجوز أن يكون بدلاً من " يَوْم الفَصْلِ " أو بياناً عند من لا يشترط المطابقة تعريفاً وتنكيراً.
أو أن يكون منصوباً بإضمار أعني، وأن يكون صفة لميقاتهم ولكنه بني.
قاله أبو البقاء.
وهذا لا يتأتى عنه البصريين لإضافته إلى معرب، وقد تقدم آخر المائدة، وأن ينتصب بفعل يدل عليه " يوم الفصل " أ يفصل بينهم يَوْمَ لا يُغْنِِي، ولا يجوز أن ينتصب بـ " الفَصْل " نفسه لما يلزم من الفصل بينهما بأَجْنَبيِّ وهو " مِيقَاتُهُمْ " والفصل مصدر لا يجوز فيه ذلك.
وقال أبو البقاء : لأنه قد أخبر عنه، وفيه تَجَوز، فَإنَّ الإخبار عما أضيف إلى الفَصْل لا عن الفصل).
قوله :﴿مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً﴾ لا ينفع قريبٌ قَرِيبَهُ، ولا يدفع عنه ﴿هُمْ يُنصَرُونَ﴾ أي ليس لهم ناصر يمنعهم من عذاب الله.
واعلم أن القريب إما في الدين أو في النَّسب أو المعتق وكل هؤلاء يُسَمَّوْنَ بالمولى فلما تحصل النصرة لهم فبأن لا تحصل ممَّنْ سواهم أولى.
ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً﴾ [البقرة : ١٢٣] إلى قوله ﴿هُمْ يُنصَرُونَ﴾ قال الواحدي : المراد بقوله : مولى عن مولى الكفار، لأنه ذكر بعده المؤمن فقال :﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ﴾ قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ يريد المؤمن فإنه يشفع له الأنبياءُ والملائكةُ.
٣٢٩
قوله :" وَلاَ هُمْ " جمع الضمير عائداً به على " مَوْلى "، وإن كان مفرداً ؛ لأنه قصد معناه، فجمع وهو نكرة في سياق النفي تَعُمُّ.
قوله :﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ﴾ يجوز فيه أرْبَعَة أوْجُهٍ : أحدهما : وهو قول الكسائي أنه منقطع.
الثاني : أنه متصل تقديره : لا يُغْني قريبٌ عن قريبٍ، إلا المؤمنين فإنهم يُؤْذَنُ لهم في الشفاعة فيَشْفَعُونَ في بعضهم كما تقدم عن ابن عباس.
الثالث : أن يكون مرفوعاً على البديلة من " مَوْلًى " الأول، ويكون " يُغْنِي " بمعنى ينفع قاله الحوْفيُّ.
الرابع : أنه مرفوع المحل أيضاً على البدل من واوِ " يَنْصَرُونَ " أي لا يمنع من العذاب إلا من رحمه الله.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٢٨
قوله تعالى :﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ﴾ لما وصف اليوم ذكر بعده وعيد الكفار.
قال الزمخشري في " شجرة " ثلاث لغات، كسر الشين، وضمها، وفتحها.
وتقدم اشتقاق لفظ " الزَّقُّوم " في سورة الصَّافَّات، و " الأَثِيمُ " صفة مبالغة ويقال : الأَثُوم كالصَّبُورِ والشَّكُورِ.
و " الأثيم " أي ذِي الإثْمِ.
قال المفسرون : هو أبو جهل.
قالت المعتزلة : هذه الآية تدل على حصول هذا الوعيد للأثيم، وهو الذي صدر عنه الإثم، فيكون حاصلاً للفسَّاقِ.
٣٣٠
والجواب : أن اللفظ المفرد الذي دخل تحته حرف التعريف الأصلُ فيه أن ينصرف إلى المذكور السابق، ولا يفيد العموم، والمذكور السابق هنا هو الكفار فنيصرف إليه.
فصل مذهب أبي حنيفة ـ (رضي الله عنه) ـ أن قراءة القرآن بالمعنى جائز واحتج علهي بأنه نقل عن ابن مسعود ـ (رضي الله عنه) ـ أنه يقرىء رجلاً هذه الآية فكان يقول : طَعَامُ اليَثيمِ فقال : طَعَامُ الفَاجِرِ.
وهذا الدليل في غاية الضعف على ما بُيِّنَ في الفِقْه.
قوله :" كَالْمُهْلِ " يجوز أن يكون خبراً ثانياً، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر، أي هُوَ كَالْمُهْلِ.
ولا يجوز أن يكون حالاً من :" طَعَام الأثيم ".
قال أبو البقاء : لأنه لا عامل إذَنْ.
وفيه نظر ؛ لأنه يجوز أن يكون حَالاً والعامل في معنى التشبيه، كقولك : زَيْدٌ أَخُوكَ شُجَاعاً.
والمهل قيل : دُرْدِيّ الزيت.
وقيل : عَكرُ القطران.
وقيل : ما أُذِيبَ من ذهب أو فضةِ.
وقيل : ما أذيب منهما ومن كل ما في معناهما من المُنْطَبعَاتِ كالحَديد والنُّحاس والرَّصَاص.
والمَهَلُ بالفتح التُّؤَدَةُ والرِّفق، ومنه :﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً﴾ [الطارق : ١٧].
وقرأ الحسن : كَالْمَهْلِ ـ بفتح الميم فقط ـ وهي لغة في المُهْل بالضم.
وتقدم تفسيره في الكهف.
قوله :" يَغْلِي " قرأ ابنُ كثير وحَفْصٌ بالياء من تحت الفاعل ضمير يعود على " طَعَام ".
وجَوَّز أبُو البقاء أن يعود على الزقوم.
وقيل : على المهل نفسه.
و " يَغْلِي "
٣٣١


الصفحة التالية
Icon