الصحة والرزق والكفاية، بل قد يكون الكافر أرجح حالاً من المؤمن، وإنَّما يظهر الفرق بينهم في الممات.
وقيل : إنَّ قوله ﴿سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ﴾ مستأنف والمعنى أن محيا المؤمنين ومماتهم سواء وكذلك محيا الكفار ومماتهم سواء أي كل يموت على حسب ما عاش عليه.
ثم إنه تعالى صرح بإنكار التسوية فقال :﴿سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ أي بئس ما يقضون.
قال مسروق : قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام أخيك تَمِيم الدَّاريِّ، لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو قرب أن يُصْبح يقرأ آية من كتاب الله يركع بها ويسجد (بها) ويبكي ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ...
الآية.
قوله تعالى :﴿وخلق الله السموات والأرض بالحق﴾ لما بين أن المؤمن لا يساوي الكافر في درجات السَّعادة أتبعه بالدلائل الظاهرة على صحة هذه الفتوى فقال :﴿وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾ أي لو لم يوجد البعث لما كان ذلك بالحق بل كان بالباطل لأنه تعالى لو خلق الظالم وسطله على المظلوم الضعيف ولا ينتقم للمظلوم من الظالم كان ظالماً ولو كان ظالماً لبطل أنه ما خلق السموات والأرض إلا بالحق.
وتقدم تقريره في سورة يُونُس.
قوله :" بِالْحَقِّ " فيه ثلاثة أوجه إما حال من الفاعل، أو من المفعول أو الباء للسببية.
قوله :" وَلتُجْزَى " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن يكون عطفاً على " بالحق " في المعنى، لأن كلاًّ منهما سبب فعطف الصلة على مثلها.
الثاني : أنها معطوفة على معلل محذوف، والتقدير : خَلَقَ اللهُ السمواتِ والأَرْضَ ليدل بها على قدرته ولتجزى كل نفس والمعنى أن المقصود من خلق هذا العالم إظهار العدل والرحمة، وذلك لايتم إلاَّ إذا حصل البعث والقيامة، وحصل التفاوت بين الدَّركات والدرجات بين المحقين والمبطلين.
الثالث : أن تكون لام الصيرورة أي وصار الأمر منها من اهتدى بها قوم وظلَّ عنها آخرون.
٣٦٤
قوله :" أفَرَأْيت " بمعنى أخبرني وتقدم حكمها مشروحاً، المفعول الأوّل من اتخذ والثاني محذوف، تقديره : بعد غشاوة أيهتدي ؟ ودل عليه قوله : ِ " فَمَنْ يَهْدِيهِ ".
وإنما قدرت بعد غشاوة، لأجل صلا ت الموصول.
واعلم أنه تعالى عاد إلى شرح أحوال الكفار، وقبائح طرائقهم فقال :﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـاهَهُ هَوَاهُ﴾ قال ابن عباس والحسن وقتادة : وذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه، فلا يهوى شيئاً إلا ركبه، لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه.
وقرىء " آلِهَتَهُ " هواه، لأنه كلما مال طبعه إلى شيء اتبعه والمعنى اتخذ معبوده هواه، فيعبد ما تهواه نفسه.
قال سعيد بن جبير : كانت العرب يعبدون الحجارة والذهب والفضة فإذا وجدوا شيئاً أحسن من الأول رَموه وكسروه وعبدوا الآخر.
قال الشعبي : إنما سمي الهوى لأنه يَهوِي بصاحبه في النار.
قوله :" عَلَى عِلْمٍ " حال من الجلالة أي كَائِناً عَلَى عِلْمٍ منه يعاقبة أمره أنه أهل لذلك.
وقيل : حال من المفعول، أي أضله وهو عالم، وهذا أشنع لَهُ.
وقرأ الأَعرجُ : آلِهَةً على الجمع، وعنه كذلك مضافة لضميره آلهته هواه.
قوله :﴿وختم على سمعه وقلبه﴾ يسمع الهوى وقلبه لم يعقل الهدى وهو المراد من قوله :﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ [البقرة : ٧] وقد تقدم.
قوله :" غشاوة " قرأ الأخوان غَشْوَةً بفتح الغين، وسكون الشين.
والأعمش وابن مِصْرف كذلك إلا أنهما كسرا الغين.
وباقي السبعة غِشاوة بكسر الغين.
وابن
٣٦٥


الصفحة التالية
Icon