قوله :" إلاَّ ظَنًّا : هذه الآية لا بدّ فهيا من تأويل، وذلك أنه يجوز تفريغ العامل ملا بعده من جميع معمولاته مرفوعاً كان أم غير مرفوع، إلا المفعول المطلق، فإنه لا يفرغ له، لا يجوز : مَا ضَرَبْتُ إلاَّ ضَرْباً لأنه لا فائدة، وذلك أنه بمنزلة تكرير الفعل، فكأنه في قوة : مَا ضَرَبْتُ إلاَّ ضَرْباً لأنه لا فائدة فيه، وذلك أنه بمنزلة تكرير الفعل، فكأنه قو قوة : مَا ضَرَبْتُ إلاَّ ضَرْبتُ.
قاله مكي وأبو البقاء.
وقال الزمخشري : فإن : قلت : ما معنى : إنْ نَظُنُّ إلاَّ ظَنًّا ؟ قلت : أصله نظن ظنًّا، ومعناه إثبات الظن حسبُ، وأدخل حرف النفي والاستثناء ليفاد إثبات الظن ونفي ما سواه ويزيدُ نفي ما سوى الظن توكيداً بقوله :﴿وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾.
فظاهر كلامه أنه لا يتأول الآية بل حملها على ظاهرها.
قال أبو حيان : وهذا كلام من لا شُعُور له بالقاعدة النحوية من أن التفريغ يكون في جميع المعمولات من فاعل أو مفعولٍ وغيرهما إلا المصدر المؤكد، فإنه لا يكون فيه.
وقد اختلف الناس في تأويلها على أوجه : أحدها : ماقاله المبرد وهو أن الأصل : إنْ نَحْنُ إلاَّ نَظُنُّ ظَنًّا قال : ونظيره ما حكاه أبو عمرو : لَيْسَ الطِّبُ إلاَّ المسكُ.
تقديره ليس إلا الطيبُ المسكُ.
قال شهاب الدين : يعني أن اسم " ليس " ضمير الشأن مستتر فيها و " إلا الطيب المسك " في محل نصب خبرها.
وكأنه خفي عليه أن لغة تميم إبطال عمل ليس إذا انْتَقَضَ نفيها " بإلا " قياساً على " ما الحجازية ".
والمسألة طويلة مذكورة ف يكتب النحو، وعليها حاكاية جَرَتْ بين أبي عمرو، وعيسى ببن عُمَرَ.
٣٧٣
الثاني : أنّ " ظَنًّا : له صفة محذوفة تقديره : إلاّ ظَنًّا بَيِّناً، فهو مختص لا مؤكد.
الثالث : أن يضمن (نظن) معنى " نعتقد " فينتصب " ظناً " مفولاً به لا مصدراً.
الرابع : أن الأصْل إنْ نَظُنُّ إلاَّ أنَّكُم تَظُنُّونَ ظَنًّا، فحذف هذا كله موهو معزوٌّ للمبرد أيضاً.
وقد رده عليه من حيث إنه حذف إنّ واسمها وخبرها وأبقى المصدر.
وهذا لا يجوز.
الخامس : أن الظن يكون بمعنى العلم والشك، فاستثني الشك كأنه قيل : مالنا اعتقاد إلاّ الشك.
ومثل الآية قول الأعشى : ٤٤٤٨ـ وَحَلَّ بِهِ الشَّيْبُ أَثْقَالَهُ
وَمَا اغْتَرَّهُ الشَّيْبُ إلاََّ اغْتِرَارَا
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٦٩
يريد اغتراراً بيناً.
فصل قال ابن الخطيب : القوم كانوا في هذه المسألة على قولين، منهم من كان قاطعاً ينفي البعث والقيامة وهم المذكورون في قوله تعالى :﴿وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ [الجاثية : ٢٤] ومنهم من كان شاكًّا متحيراً فيه لأنهم من كثرة ماسمعوه من الرسول ـ عليه ـ الصلاة والسلام ـ ولكثرة ما سمعوه من دلائل القول بصحّته صاروا شاكين فيه، وهم المذكورون فيه هذه الآية، ويدل على ذلك أنه تعالى حكى مذهب أولئك القاطعين، ثم أتبعه بحكاية قول هؤُلاء، فوجب كون هؤلاء مغايرين للفريق الأول.
ثم قال :" وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ " أي
٣٧٤