قوله تعالى :﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ﴾ لما وصف الولد البارَّ بوالديه، وصف الولد العاقَّ بوالديه ههنا.
واعلم أنه قد تقدم الكلام على أُفٍّ.
و " لكما " بيان أي التأفيف لكما نحو :" هَيْتَ لَكَ " وهي كلمة كَرَاهَيِة.
﴿أَتَعِدَانِنِى أَنْ أُخْرَجَ﴾ كم قبري حياً ﴿وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي﴾ ولم يبعث منهم أحد.
قال ابن عباس، والسدي، ومجاهد : نزلت في عبدالله.
وقيل : في عبدالرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام، وهو يأبى، وهو قوله : أُفٍّ كما أَحْيوا لي عَبْدَ الله بن جُدْعَان، وعامرَ بن كعب ومشايخ قريش حتى أسألهم عما تقولون.
واحتجوا بهذا القول بأنه (لما) كاتب معاوية إلى ابن مروان بأن يبايع الناس ليزيد قال عبدالرحمن بن أبي بكر : لقد جئتم شيئاً نُكراً أتبايعون أبناءكم فقال :(مروان) يا أيها الناس هو الذي قال الله فيه :﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ﴾ والصحيح أنها نزلت في كل كافر عاقٍّ لوالديه.
قاله الحسن وقتادة.
قال الزجاج : قوله من قال : إنها نزلت في عبدالرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه يبطله قوله :﴿أُوْلَـائِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ﴾ فأعلم الله تعالى أن هؤلاء قد حقت عليم كلمة العذاب، وعبدالرحمن مؤمن من أفاضل المؤمنين، فلا يكون ممّن حقَّت عليهم كلمة العذاب.
قال ان الخطيب : وهذا القول هو الصحيح فإن قالوا : روى أه لما دعاه أبواه إلى الإسلام، وأخبراه بالبعث بعد الموت قال : أَتَعِدَانني أَنْ أُخْرَجَ من القبر يعني أبعث بعد الموت " وَقَدْ خلت القرون من قبلي " يعني الأمم الخالية، فلم يرجعوا منهم عبدالله بن جدعان، وفلان وفلان.
فنقول : قوله : أولئك الذي حق عليهم القول المراد هؤلاء الذين ذكرهم عبدالرحمن من المشركين الذين ماتوا قبله هم الذين حق عليهم القول فالضمير عائد إلى المُشارِ إليهم بقوله :﴿وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي﴾ لا
٣٩٨
إلى المشار إليه بقوله :﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ﴾.
هذا جواب الكلبي في دَفْعِ ذلك الدليل، وهو حسن.
وأيضاً روي أن مَرْوَان لما خاطب عبدالرحمن بن أبي بكر بذلك الكلام سمعت عائشة ـ رضي الله عنها ـ ذلك فغضبت وقالت : والله ما هُوَ به، ولكن الله كفَّر أباك وأنت في صلبه.
وإذا ثبت ذلك كان المراد كُلّ ولد اتصف بالصفات المذكورة.
ولا حاجة إلى تخصيص اللفظ بشخص معين.
قوله :﴿ا﴾ العامة على نوني مكسورتين، الأولى للرفع والثانية للوقاية وهشام بالإدغام ونافع في رواية بنون واحدة.
وهذه شبيهة بقوله :" تَأْمُرُونِّي أَعْبُد ".
وقرأ الحسن وشيبة وأبو جعفر وعبد الوارث عن أبي عمرو بفتح النون الأولى، كأنهم فروا من توالي مثلين مكسورين بعدهما ياء.
واقل أبو البقاء : وهي لغة شاذة في فتح نون الاثنين.
قال شهاب الدين : إن عنى نون الاثنين في الأسماء نحو قوله : ٤٤٥٣ـ عَلَى أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ...
..........................
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٩٨
فليس هذا منه، وإن عنى في الفعل فلم يثبت ذلك لُغَةً، وإنما الفتح هنا لما ذكرت.
قوله :﴿أَنْ أُخْرَجَ﴾ هو الموعود به، فيجوز أن نقدر الباء قبل " أن " وأن لا نقدِّرَهَا.
٣٩٩


الصفحة التالية
Icon