٤١٥
الأنَام.
فقال النبي ـ ﷺ بئس العملُ قال يا رسول الله دعني من العتب، فإني ممن آمن مع نوحٍ ـ عليه الصلاة والسلام ـ وعاتبته في دعوته فبكا وأبكاني وقال : إني والله لَمِنَ النّادمينت، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
ولَقِيتُ إبراهيم وآمنت به، وكنت بينه وبين الأرض إذ رُمِيَ به في المَنْجَنِيق، كنت معه في النار إذْ أُلْقِيَ فيها وكنت مع يوسف إذ أُلقِيَ في الجُبِّ فسبقته إلى قصره ولَقِيتُ موسى بْنَ عِمْرَان بالمكان الأثير.
وكنت مع عيسى ابن مَرْيَمَ فقال لي : إن لَقِيتَ مُحَمَّداً فاقرأ عليه السلام ـ علّمني التوراة وإن عيسى علمني الإنجيل، فعلّمني القرآن.
قال أنس : فعَلَّمَهُ النبي ـ ﷺ ـ عَشْرَ سُوَرٍ، وقُبِضَ رسول الله ـ ﷺ ـ ولم يَنْعِهِ إلينا.
قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ولا أراه إلا حيًّا.
وروي أنه عمله سورة الواقعة، و ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ﴾ [النبأ : ١ـ و ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ [التكوير : ١] و ﴿قُلْ يا أيها الْكَافِرُونَ﴾ [الكافرون : ١] وسرة الإخلاص والمُعَوِّذَتَين.
فصل اختلفوا في عدد النفر، فقال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ كانوا سبعة وقد تقدم، وقيل : كانوا تسعةً.
وروى عاصم عن زِرِّ بن حُبَيْش كان زوبعة من التسعة الذين استمعوا القرآن، فلما حضروه قالوا أنصتوا أي قال بعضهم لبعض أنصتوا أي اسْكُتُوا مستمعين يقال : أَنْصَتَ لِكَذَا، واسْتَنْصَتُّ لَهُ.
روي في الحديث أن الجنة ثلاثة أصناف، صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيَّاتٍ وكِلاَب، وصنف يحلّون ويظْعَنُون.
ثم إنهم لما استمعوا القرآن حتى فرغ من تلاوته ﴿وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم﴾ انصرفوا إليهم " مُنْذِرِينَ " مخوفين داعين بأمر رسول الله ـ صلى لله عليه وسلم ـ وذلك لا يكون إلا بعد إيمانهم، لأنهم لا يَدْعُونَ غيرهم إلى سماع القرآن، والتصديق به، إلا وقد آمنوا.
وعند ذلك ﴿قَالُواْ يا قَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي لكتب الأنبياء، وذلك أن كتب سائر الأنبياء كانت مشتملةً على الدعوة إلى التوحيد والدعوة إلى النبوة والمَعَاد وتطهير الأخلاق، وكذلك هذا الكتاب مشتمل على هذه المعاني وهو معنى قوله ﴿يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
فإنْ قيل : كيف قالوا : من بعد موسى، ولم يقولوا : من بعد عيسى ؟
٤١٦
فالجواب : أنه روي عن عطاءٍ والحسن أنه كان دينهم اليهودية فلذلك قالوا : إنا سمعنا كتاباً أنزل بعد موسى.
وعن ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ أن الجنَّ ما سمعت أمر عيسى فلذلك قالوا : من بعد موسى ثم إن الجن لما وصفوا القرآن بهذه الصفات الفاضلة قالوا يا قومنا أجيبوا دَاعِيَ الله " يعني محمَّداً ـ ﷺ ـ.
فصل دلت هذه الآية على أنه ـ صلى الله عليه سولم ـ كان مبعوثاً إلى الجِنِّ كما كان مبعوثاً إلى الإنْسِ.
قال مقاتل : لم يبعث الله نبياً إلى الإنس وإلى الجن قبله.
فإن قيل : قوله ﴿أَجِيبُواْ دَاعِيَ اللَّهِ﴾ أمر بإجابته في كل ما أمر به فيدخل فيه الأمر بالإيمان فكيف قال : وآمنوا به " ؟ فالجواب : أفاد ذكر الإيمان على التعيين، لأنه أهم الأقسام وِأشرفها وقد جرت عادة القرآن الكريم بأنه يذكر اللفظ العام ثم يعطف عليه أشرف أنواعه، كقوله :﴿وَمَلا اائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ [البقرة : ٩٨] وقوله ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ﴾ [الأحزاب : ٧] ولما أمر بالإيمان به ذكر فائدة ذلك الإيمان فقال :﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ قال بعضهم : كلمة " من " هنا زائدة والتقدير : يغفر لكم ذُنُوبَكُمْ، وقيل : بل فائدته أن كلمة " من " هنا لابتداء الغاية والمعنى أنه يقع ابتداء الغفران بالذنوب ثم ينتهي إلى عَفْوِ ما صدر عنكم من ترك الأَوْلَى والأكمل.
ويجوز أن تكون تبعيضيةً.
قوله :﴿وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ فاستجاب لهم من قومهم نحو سبعينَ بَعْلاً من الجن فَرَجَعُوا إلى رسول الله ـ ﷺ ـ فوافقوه في البَطْحَاء فقرأ عليهم القُرْآنَ وأمرهم ونَهَاهُمْ.
فصل اختلفوا في أن الجن هل لهم ثواب أم لا ؟ فقيل : لا ثَوَابَ لهم إلا النجاة من النار، ثم يقال لهم : كُونُوا تراباً مثلَ البهائم.
واحتجوا على ذلك بقوله :(ويُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) وقو قول أبي حنيفة والصحيح أن حكمهم حكم بني آدم يستحقون الثواب على
٤١٧


الصفحة التالية
Icon