الأول : قوله :" الذين آمنوا " أي الله ورسوله، واليوم الآخر، وقوله :" آمَنُوا بِمَا نزل " أي بجميع الأشياء الواردة في كلام الله ورسوله تعميماً بعد أمور خاصة كقولنا : خلق الله السموات والأرض وكل شيء إما على معنى وكل شيء غير ما ذكرنا، وإما على العموم بعد ذكر الخصوص.
والثاني : أن يكون المعنى آمنوا من قبل بما نزل على محمد " وهُوَ الحَقُّ " المعجز الفارق بين الكاذب والصادق يعني آمنوا أولاً بالمعجز، وأيقنوا أن القرآن لا يأتي به غير الله فآمنوا وعلموا الصالحات والواو للجمع المطلق.
(و) يجوز أن يكون المتأخر ذكراً متقدماً وقوعاً، وهذا كقول القائل آمن به وكان الإيمان به واجباً ويكون بياناً لإيمانهنم، كأنه قال : آمنوا وآمنوا بما نزل على محمد أي آمنوا وآمنوا بالحق كقول القائل : خرجتُ وخرجت مصيباً أي وكان خروجي جيداً، حيث نجوت من كذا أو ربحت كذا، فكذلك لما قال آمنوا بين أن إيمانهم كان بما أمر الله وأنزل الله لا بما كان باطلاً من عند غير الله.
قوله :" ذلك " فيه وجهان : أظهرهما : أنه مبتدأ والخبر الجار بعده.
الثاني : ـ قال الزمخشري ـ : أنه خبر مبتدأ مضمر، أي الأمر ذلك بسبب كذا.
فالجار في محلِّ نصب قال أبو حيان : ولا حاجة إليه.
قوله :﴿بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ اتَّبَعُواْ الْبَاطِلَ﴾ أي الشيطان.
وقيل : قول كبرائهم، ودين آبائهم ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّبَعُواْ الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ﴾ يعني القرآن.
وقيل : الحق هو الله تعالى : وعلى هذا فلا يكون قوله :" من ربهم " متعلقاً بالحق وإنما يتعلق بقوله تعالى :﴿اتَّبَعُواْ﴾ أي اتبعوا من ربهم، أو من فضل الله أو هداية ربهم ابتعوا بالحق ؛ وهو الله تعالى.
ويحتمل أن يقال : قوله :﴿مِن رَّبِّهِمْ﴾ عائد إلى الفريقين جميعاً، أي من ربهم اتبع هؤلاء الباطل، وهؤلاء الحق، وأي من حكم ربهم ومن عند ربهم.
قوله :" كذلك يضرب " خرجه الزمخشري على مثل ذلك الضرب يضرب الله للناس أمثالهم (والضمير راجع إلى الفريقين أو إلى الناس على معنى أنه يضرب أمثالهم) لأجل الناس ليعتبروا (انتهى).
فصل قال الزجاج : معناه كذلك بين الله أمثال حسنات المؤمنين وإضلال أعمال
٤٢٦
الكافرين.
والمراد بالأمثال الأشكال.
وقيل : بين كون الكافر متبعاً للباطل وكون المؤمن متبعاً للحق.
والضمير في قوله ﴿أَمْثَالَهُمْ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنه يعود إلى الناس، كأنه تعالى قال : يضرب للناس أمثال أنْفُسِهِمْ.
والثاني : يعود إلى الفريقين السابقين، والمعنى يضرب الله للناس أمثال الفريقين السَّابقين.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٤٢٤
قوله :﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ العامل في هذا الظرف فعل مقدر هو العامل في " ضَرْبَ الرِّقَابِ " تقديره فاضربوا الرقاب وقتَ مُلاَقَاتِكُمُ العَدُوَّ.
ومنع أبو البقاء أن يكون المصدر نفسه عاملاً، قال : لأنه مؤكَّد وهذا أحد القولين في المصدر النائب عن الفعل، نحو : ضرباً زيداً، هل العمل منسوب إليه إم إلى عامله ؟ ومنه (قول الشاعر) : ٤٤٦٢ـ عَلَى جِينَ أَلْهَى النَّاسَ جُلُّ أُمُرِهِمْ
فَنَدْلا زُرَيْقَ المَالَ نَذْطَ الثَّعَالِبِ
فالمال منصوب إما بـ " أندل " أو بـ " ندْلاً " والمصدر هنا أضيف إلى معموله.
وبه استدل على أن العمل للمصدر، لإضافته إلى ما بعده ولو لم يكن عاملاً لَمَا أضيف إلى ما بعده.
فصل قال ابن الخطيب : الفاء في قوله :" فإذا لقيتم " يستدعي متعلَّقاً تُعَلَّقُ به وتُرَتَّبُ عَلَيْه وفيه وجوه : الأول : لما بين أن الذين كفروا أضل أعمالهم، وأن اعتبار الإنسان بالعمل ومَنْ لا
٤٢٧