وضده لمَا إذا أرادوا قيامه.
وأضل أعمالهم ؛ لأنها كانت في طاعة الشيطان، وهذا زِيَادَةٌ في تقوية قُلُوبِهِمْ ؛ لأنه تعالى قال : لَكُم الثباتُ ولهم الزوالُ والتَّعَثُّر.
قوله :﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾ يجوز أن يكون " ذلك " مبتدأ، والخبر الجار بعده، أو خبر مبتدأ مضمر، أي الأمر ذلك بسبب أنهم كرهوا.
أو منصوب بإضمار فعل أي فَعَلَ بهم ذَلِكَ بسبب أنهم كرهوا فالجار في الوجْهَيْنِ الأخيرين منصوب المحل والمعنى : ذلك التعس والإضلال بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم والمراد أنهم كرهوا القرآن، أو كرهوا ما أنزل الله من بيان التوحيد فلم يعرفوا العَمَل الصَّالِحَ بل أشركوا، والشرك يحبط العمل، قال تعالى :﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر : ٦٥] وقيل : كرهوا ما أنزل الله من بيان أمر الآخرة فلم يعملوا لها والدنيا وما فيها وما لها باطل، فأحبط الله أعمالهم.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٤٣٥
ثم خوف الكفار فقال :﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ أي أهلكهم.
قوله :﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ يجوز أن يكون حذف مفعوله، أي أهلك الله بُيُوتَهُمْ، وخرّبها عليم أو يضمن معنى " دمر " معنى سخط اله عليهم بالتدمير.
وقوله :﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ﴾ مناسب للوجه الأخير، يعني فينظروا إلى حالهم، ويعلموا أن الدنيا فانيةً.
قوله :﴿وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ أي أمثال العاقبة المتقدمة.
وقيل : أمثال العقوبة.
وقيلأ : التدمير.
وقيل : الهلكة.
والأول أولى لتقدم ما يعود عليه الضمير صريحاً مع صحة معناه.
٤٣٧
فإن قيل : إذا عاد الضمير إلى العاقبة فكيف يكون لها أمثال ؟ فالجواب : أن المراد هو العذاب الذي هو مدلول العاقبة، والألم الذي دلّت العاقبة عليه.
فصل في المراد بقوله :﴿وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ وجهان : أحدهما : أن المراد الكافرون بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
الثَّانِي : أن المراد أمثالها في الآخرة، فيكون المراد من الكفارين مَنْ تقدّم، كأنه يقول : دَمَرَ اللهُ عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة أمثالها.
فإن قيل : إذ كان المراد (من) الكافرين بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإنهم أمثال ما كان لمن تقدمهم من العاقبة، فالأولون أهلكوا بأمور شديدة كالزَّلاَزِلِ والنِّيران والرِّيَاحِ والطُّوفَانِ، ولا كذلك قوم محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
فالجواب : يجوز أن يكون عذابهم أشد من عذاب الأولين، لكون دين محمد أظهر بسبب تقدم الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ عليه، وأخبارهم عنه، وإنذارهم على أنهم قتلوا وأُسِرُوا بأيدي مَنْ كانوا يَسْتَخِفُّونَهُمْ ويستضعفونهم والقتل بيد المِثللا آلم من الهلاك بسبب عام.
قوله :﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ تقدم الكلام على نظيره ﴿وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ﴾ والمراد بالمولى هنا الناصر.
ثم ذكر ما للفريقين فقال :﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ لما بين حال المؤمنين والكافرين في الدنيا بين حالهم في الآخرة وقال : إنه يدخل المؤمن الجنة، والكافر النار.
وقد تقدم أن مِنْ في قوله :" مِنْ تَحْتِهَا " تحتمل أن تكون صلة معناه تجري تحتها، ويحتمل أن يكون المراد (أن) ماءها منها لا يجري إليها من موضع آخر، يقال : هذا نهر مَنْبَعُهُ مِنْ أَيْنَ ؟ يقال : من عين كذا من تحت جبل كذا.
قوله :﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ﴾ أي ليس لهم هِمة إلا بطونهم وفروجهم وهم لاهون عما في غد.
قيل : المؤمن في الدنيا يتزود، والكافر يتزين، والكافر يتمتع.
قوله :﴿كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ﴾ إما حال من ضمير المصدر، أي يأكلون الأكل مشبهاً أكل الأنعام وإما نعت لمصدر أي أكلاً مثل أكل الأنعام.
٤٣٨


الصفحة التالية
Icon