الثالث : أن مثل الجنة مبتدأ، والخبر قوله :" فيها أنهار "، وهذا ينبغي أن يمتنع ؛ إذ لا عائد من الجملة إلى المبتدأ، ولا ينفع كون الضمير عائداً على ما أضيف إليه المبتدأ.
الرابع : أن مثل الجنة مبتدأ خبره ﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ﴾ فقدره ابن عطية : أمثل أهل الجنة كمن هو خالد (في النار) (فقدر حرف الإنكار ومضافاً ليصحَّ.
وقدره الزمخشري أمثل الجنة كمن جزاؤه من هو خالد) والجملة من قوله :﴿فِيهَآ أَنْهَارٌ﴾ على هذا فيها ثلاثة أوجه : أحدها : هي حال من الجنة، أي مستقرة فيها أنهار.
الثاني : أنها خبر لمبتدأ مضمر، أي هي فيها أنهار، كأن قائلاً قال : ما فكيها ؟ فقيل : فيها أنهار.
الثالث : أن تكون تكريراً للصلة، لأنها في حكمها، ألا ترى إلى أنه يصح قولك : التي فيها أنهار.
وإنما أعري قوله مثل الجنة تصوير المكابرة من أن يسوّي بين المستمسك بالبينة وبين التابع هواه، كمن يسوّي بين الجنة التي صفتها كيت وكيت وبين النار التي صفتها أن يسقي أهلُها الحَمِيم.
ونظيره قوله القائل ـ رحمه الله ـ : ٤٤٦٨ـ أَفْرَحُ أَنْ اُزْرَأَ الكِرَامَ وَأَنتْ
أُورثَ ذَوداً شَصَائِصاً نُبْلاً
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٤٤٠
٤٤١
هذا كلام منكر الفرح برزية الكرام ووراثة الذود مع تَعَرِّيه من حرف الإنكار.
وذكر ذلك كله الزمخشري.
وقرأ علي بن أبي طالب : مِثَالُ الجَنَّةِ.
وعنه أيضاً وعن ابن عباس وابن مسعود : أَمْثَالُ بالجمع.
قوله :﴿غَيْرِ آسِنٍ﴾ قرأ ابن كثير : أًسِن بزنة حَذِرٍ، وهو اسم فاعل من أَسِنَ بالكسر يَأسنُ، فهو أَسِنٌ كَحَذر يحذر فهو حَذِر.
الباقون آسِن بزنة ضَارِبٍ من : أَسَنَ بالفتح يأسن، يقال : أَسَنَ المَاءُ بالفتح يَأسِنُ ويَأسُنُ بالكسر والضم أُسُوناً.
وكذا ذكره ثَعْلَبُ في فصيحة.
فهما لغتان يقال : أسن الماء يأسن أسناً وأَجِن يَأجنُ، وأَسِنَ يَأسُنُ ويَأسِنُ، وأَجَن يَأجُنُ أُسُوناً وأُجُوناً.
وقال اليَزِيدِيُّ يقال : أَسِنَ بالكسر يَأسَنُ بالفتح أَسَناً أي تغير طعمه، وأما أَسِنَ الرَّجُلُ إذا دخل بئراً فأصابه من ريحها ما جعل في رأسه دواراً فأَسِنَ بالكسر فقط قال الشاعر : ٤٤٦٩ـ قَدْ أَتْرُكَُ القِرْنَ مُصْفَرًّا أَنَامِلُهُ
يَمِيدُ فِي الرُّمْحِ مَيْدَ المَائِحِ الأَسِنِ
وقرىء يَسِنٍ بالباء بدل من الهمزة.
قال أبو علي : هو تخفيف أسن وهو تخفيف غريب.
٤٤٢
قوله :﴿لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾ صفة لـ " لَبَنٍ ".
قوله :" لَذَّةٍ " يجوز أن يكون تأنيث " لَذٍّ " ولَذٌّ بمعنى لَذِيدٍ، ولا تأويلَ على هذا.
ويجوز أن يكون مصدراً وصف به، ففيه التأويلات المشْهُورَة.
قال ابن الخطيب : يحتمل أن يقال : ما ثَبَتَتْ لذَّتُهُ يقال : كعام لَذٌّ ولَذِيدٌ، وأَطْعِمَةٌ لَذَّة ولَذِيدَةٌ، ويحتمل أن يكون ذلك وصفاً بنفس المعنى لا بالمشتق منه كما يقال للحكيم : هو حَكِيمٌ كله، وللعاقل : هو عاقل كله.
والعامة على جرِّ " لَذَّة " صفة لخمر.
وقرىء بالنصب على المفعول له وهي تؤيد المصدرية في قراءة العامة.
وبالرفع صفة " لأنهار ".
ولم تجمع، لأنها مصدر إن قيل به وإلا فلأنها صفة لجمع غير عاقل، وهو يعامل معاملة المؤنثة الواحدة.
قوله :﴿مِّنْ عَسَلٍ﴾ نقلوا في عسل التذكير والتأنيث، وجاء القرآن على التذكير في قوله :" مُصَفًّى " والْعَسَلاَنُ العدو، وأكثر استعماله في الذِّئْبِ، يقال : عَسَلَ الذّئبُ والثعلب.
وأصله من عسلان الرمح وهو اهتزازه، فكا، العادي يَهُزّ أعضَاءَهُ ويُحركها، قال الشاعر : ٤٤٧٠ـ لَدْنٌّ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ
فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٤٤٠
وكنى بالعُسَيْلَة عن الجِمَاع، لما بينهما.
قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" حتى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ ويَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ " فصل قال ابن الخطيب : اختار هذه الأنهار من الأنهار الأربعة ؛ لأن المشروب إما أن يُشْرَبَ لِطَعْمِهِ أو لغير طعمه، فإن كان للطعم فالمطعوم تسعة : المُرّ والمَالِح، والحريف، والحَامِض، والعَفِصُ والقَابضُ والتّفه، والحلو، والدَّسِم.
وألذها الحُلو والدَّسِم، لكن أحلى الأشياء العسل فذكره وأما أدسَمُ الأشياء فالدهن لكن الدُّسُومَة إذا تَمَحَّضَتْ لا
٤٤٣


الصفحة التالية
Icon