خيراً لهم.
وقيل : جواب إذا محذوف تقديره فإذا عزم الأمر لكلُّوا أو كذبوا فيما وعدو ولو صدقوا لكان خيراً لهم.
قوله :﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ﴾ أي فلعلكم إن توليتم أعرضتهم عن القرآن وفارقتم أحكامه ﴿أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ﴾، تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية تفسدوا في الأرْضِ بالمعيصية والبَغْي وسَفْكِ الدماء وترجعون إلى الفُرْقة بعدما جمعكم الله بالإسلام! قوله :﴿أَن تُفْسِدُواْ﴾ خبر عسى.
والشرط مُعْتَرِضٌ بينهما وجوابه محذوف لدلاَلَةِ :" فَهَلْ عَسَيْتُمْ " عليه أو هو يفسره " فَهَلْ عَسَيْتُمْ "، عند من يرى تقديمه.
وقرأ علي ـ رضي الله عنه ـ " إن تُوُلِّتُمْ " بضم التاء والواو وكسر اللام مبنياً للمفعول من الولاية أي وُلِّيتم أمور الناس.
وقال ابن الخطيب : لولا تولاَّكم ولاةٌ ظلمة، جُفاة غَشَمَة ومشيتم معهم لفسدتم وقعطت الأرحام والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يأمركم إلا بصلة الأرحام فلم تتقاعدون عن القتال ؟ !.
والأول أظهر ومعناه إن كنتم تتركون القتال وتقولون فيه الإفساد، وقطع الأرحام وكون الكفار أقاربنا فلا يقع منكم إلا ذلك، حيث تَتَقَتَلُونَ على أدنى شيءٍ كما كان عادة العرب الأُوَل.
(وقرى : وُليتم من الولاية أيضاً).
فصل قال ابن الخطيب : في استعمال " عسى " ثلاثة مذاهب : أحدها الإتيان بها على صورة فعل ماض معه فاعل تقول : عَسَ زَيْدٌ، وعَسَيْنَا وعَسَوْا، وعَسَيْتُمَا، وعَسَيْتُ وعَسَيْتُنَّ وعَسَيْنَا وعَسَيْتُنَّ.
والثاني : أن يؤتى بها على صورة فعل ومفعول يقال : عَسَاهُ، وعَسَاهُمَا، وعَسَاكَ، وَعَسَاكُمَا وعَسَايَ وعَسَانَا.
٤٥٥
الثالث : الإتيانُ بها من غير أن يُقْرَن بها شيء تقول : عَسَى زَيْدٌ يَخْرُجُ، وعَسَى أَنْتَ تَخْرُجُ، وعَسَى أَنَا أخْرُجُ، والك متوجه ما عليه كلام الله أوجه، لأن " عسى " من الأفعال الجامدة، واقتران الفاعل بالفعل الأول من اقتران المفعول، لأن الفاعل كالجزء من الفعل ولهذا لم يجوزوا فيه أرْبَعَ متحركات في مثل قول القائل : بَصُرْتُ وجوزوا في مثل قولنا : بَصَرُكَ.
وقد تقدم الكلام في " عسى " مشْبَعاً.
وفي قوله :" عَسَيْتُم " إلى آخره، التفات من غيبة في قوله :﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ إلى خطابهم بذلك زيادة في توبيخهم والاستفهام للتقرير المؤكد فإنه لو قال على سبيل الإخبار :" عَسَيْتُمْ إنْ " لكان للمخاطب أنينكره فإذا قال بصيغة الاستفهام فإنه يقول : أنا أسألك عن هذا وأنت لا تقدر (أن) تجيب إلا بـ " لا " أو " نَعَمْ "، فهو مُقَرَّر عندك وعندي.
واعلم أن " عَسَى للتوقع والله عالم بكل شيء والكلام فيه كالكلام في " لَعَلَّ " وفي قوله :﴿لِّيَبْلُوَكُمْ﴾ [المائدة : ٤٨] فقال بعضهم : يفعل بكم فعل المترجِّي والمبتلي والمتوقع.
وقيل : كل من ينظر إليهم يتوقع منهم ذلك.
وقال ابن الخطيب : هو محمول على الحقيقة ؛ لأن الفعل إذا كان في نفسه متوقعاً فالنظر غير مستلزم لأمر، وإِنما الأمر يجوز أن يحصل منه تارة، ولا يحصل منه أخرى يكون الفعل لذلك الأمر المطلوب على سبيل الترجِّي سواء كان الفاعل يعلم حصول الأمر منه أو لم يعلم، مثاله من نَصَبَ شَبَكةً لاصطياد الصَّيد يقال : هو متوقع لذلك، فإن حصل له العمل بوقوعه فيه بأخبار صادقٍ أنه سيقع أو بطريق أخرى لا يخرج عن التوقع.
غاية ما في الباب أن في الشاهد لم يحصل لنا العلم فيما نتوقعه فظن أن عدم العلم لازم للتوقع فليس كذلك بل التوقع
٤٥٦
هو المنتظر بأمر ليس بواجب الوقوع نظراً إلى ذلك الأمر حسب سواء كان له به علم أو لم يكن.
قوله :﴿وَتُقَطِّعُوا ااْ﴾ قرأ العامة بالتشديد على التكثير، وأبو عمرو في رواية وسلام ويعقوب : بالتخفيف مضارع قَطَع.
والحَسن : بفتح التاء والطاء مشددة، أصلها تَتَقَّطُعُوا بتاءين حذفت إحداهما.
وانتصب " أَرْحَامَكُم " على هذا إسقاط الخافض أي في أرْحَامِكُمْ.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٤٤٧
قوله :" أُلَئِكَ " مبتدأ، والموصول خبره والتقدير : أولئك المفسدون يدل عليه ما تقدم.
وقوله :" فَأَصَمَّهُمْ " ولم يقل :" فَأَصَّم آذَانَهُمْ " و " أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ " ولم يقل أعمارهم، قيلأ : لأنه لا يلزم من ذهاب الإذن ذهاب السمع فلم يتعرض لها، والأبصار وهي الأعين يلزم من ذهابها ذهاب الإبْصار ولا يرد عليك قوله :﴿وَفِى آذَانِهِمْ وَقْراً﴾ ونحوه [الأنعام : ٢٥] و[الإسراء : ٤٦] و[الكهف : ٥٧] لأنه دون الصَّمَم والصَّممُ أعظم منه فقال : أصمهم من غير ذكر الأذن، وقال :" أعْمَى أبْصَارَهُمْ " مع ذكر العين ؛ لأن البَصَرَ ههنا بمعنى العين ولهذا جمعه بالأبْصار ولو كان مصدراً لما جمع، فلم يذكر الأذن ؛ إذْ لاَ مَدْخَلَ لها في الإصمام وذكر العين، لأن لها مدخلاً في الرُّؤية، بل هي الكل بدليل أنه الآفة في غير هذا الموضع لما أضافها إلى الأذن سماها وقراً فقال تعالى
٤٥٧


الصفحة التالية
Icon