ضَلَّتُ هُذَيْلٌ بِمَا سَالَتْ وَلَمْ تُصِبِ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٤٥٧
وقد تقدم هذا في البقرة مستوفًى.
قوله :﴿وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ العامة على أملي مبنياً للفاعل وهو ضمير الشيطان.
وقيل : هو للباري تَعَالى.
قال أبو البقاء : على الأول : يكون معطوفاً على الخبر.
وعلى الثاني : يكون مستأنفاً.
ولا يلزم ماقاله بل هو معطوف على الخبر في كلا التقديرين أخبر عنهم بهَذَا وبهَذَا.
وقرأ أبو عمرو في آخرين أُمْلِيَ مبنياً للمفعول.
والقائم مقام الفاعل الجار.
وقيل : القائم مقامه ضمير الشيطان ذكره أبو البقاء.
وقرأ يعقوبُ وسلاَّمٌ ومجاهد وأُمْلِي ـ بضم الهمزة وكسر اللام وسكون الياء ـ فاحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون مضارعاً مسنداً لضمير المتكلم أي وأملي أنا لهم، وأن
٤٦٠
يكون ماضياً كقراءة أبي عمرو سكنت ياؤه تخفيفاً وقد مضى منه جملة.

فصل قال المفسرون : سَوَّلَ لَهُمْ سَهَّل لهم.


وأَمْلَى لهم أي مد لهم فِي الأمل يعني قالوا : نعيش أياماً ثم نؤمن به وهو معنى قوله :﴿وَأَمْلَى لَهُمْ﴾.
فإن قبل : الإِملاء والإِمهال وَحَدُّ الآجال لا يكون إِلا من الله فكيف يصح قراءة من قرأ : وأملى لهم فإن المملي حينئذ هو الشيطان ؟.
قال الخطيب : فالجواب من وجهين : أحدهما : هو أن المسوِّل أيضاً ليس هو الشيطان وإنما إسند إليه من حيث إن الله قد ر على يده ولسانه ذلك، فكذلك الشيطان يمسهم ويقول لهم : في آجالكم فَسْحَةٌ فتمتعوا برئاستكم ثم في آخر العمل تؤمنون.
قوله :﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ﴾ يعني المنافقين أو اليهود قالوا :﴿لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ﴾ وهم المشركون أي ذلك الإملاء لا يسبب قولهم الذين كرهوا.
قال الواحدي.
وقيل : ذلك إشارة إلى التسويل.
ويحتمل أن يقال : ذلك إشارة للارتداد بسبب قولهم : سنطيعكم قاله ابن الخطيب.
قال : لأنا نبين أن قوله :" سنطيعكم ف يبعض الأمور " هو أنه قالوا نوافقكم على أن محمداً ليس بمرسل وإنما هو كذاب ولكن لا نوافقكم على إِنكار الرسالة والحشر والإشراك بالله من الأصنام ومن لم يؤمن بمحمَّدٍ ـ ﷺ ـ فهو كافر وإن آمن بغيره.
لا بل نؤمن بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولا نؤمن بالله ولا برسله ولا بالحشر، لأن الله تعالى كما أخبر عن الحشر وهو جائز أخبر عن نبوّة محمد ـ ﷺ ـ وهِيَ جائزة.
وقال المفسرون : إِن اليهود والمنافقين قالوا للذين كرهوا ما نزل الله وهم المشركون سنطيعكم في بعض الأمور في التعاون على عداوة محمد ـ ﷺ ـ والقعود عن الجهاد.
وكانوا يقولونه سراً فقال الله تعالى :﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾.
٤٦١
وقوله :" إسْرَارَهُمْ " قرأ الأخوان وحفص بكسر الهمزة مصدراً.
والباقون بفتحها جمع سِرّ.
قوله :" فكيف " إما خبر مقدم، أي فيكف عمله بأسرارهم إذا توفتهم الملائكة.
وإما منصوب بفعل محذوف أي فكيف تصنعون وإما خبر " لكان " مقدرة أي فكيف يكونُون ؟ والظرف معمول لذلك المقدر وقرأ الأعمش :" تَوَفَّاهُمْ " دون تاء، فاحتملت وجهين : أن يكون ماضياً كالعامة، وأن يكون مضارعاً حُذفت إحدى تائيه.
قوله :" يَضْرِبُون " حال إما من الفاعل وهو الأظهر أو من المعفول.
فصل قال ابن الخطيب : الأظهر أن قوله :﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ أي ما في قلوبهم من العلم بصدق محمد ـ ﷺ ـ فإنهم كانوا مكابرين معاندين وكانوا يعرفون رسول الله ـ ﷺ ـ كما يعرفون أبناءهم ويؤيده القراءة بكسر الهمزة فإنهم كانوا يُسِرُّونَ نبوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإن قلنا : المراد من الذين ارتدّوا هم المنافقون فكانوا يقولون للجاحدين من الكفار سنطيعكم في بعض الأمور كانوا يرون أنهم إن غلبوا انقلبوا كما قال الله :﴿وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ [العنكبوت : ١٠] وقال تعالى :﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ [الأحزاب : ١٩].
وقوله :﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ كأنه تعالى قال : هَبْ أنهم يسرون والله لا يظهره اليوم فكيف يبقى مخفياً وقت وفاتهم ؟ ! أو نقول : لما قال الله تعالى : والله يعلم إسرارهم أنهم يختارون القتال لما فيه من الضرب والطعن مع أنه مفيد على الوجهين جميعاً إن غَلبوا في الحال والثواب في المآل، وإن غُلبوا فالشهادة والسعادة، فكيف حالهم إذا ضرب وجوههم وأدبارهم ؟ !.
وعلى هذا فيه لطيفة وهي أن القتال في الحال إن أقدم المبارز قد يهزم الخَصْم ويسلم وجهه وَقَفاهُ وإن لم يهزمه فالضرب على وجهه إن ثَبَتَ وصَبَرَ وإن يثبت وانهزم فإنه فاته بالهرب فقد سلم وجهه وقفَاه وإن لم يفته فالضرب على فقاه لا غير ويوم الوفاة لا نُصْرة له ولا مفرّ، فوجهه وظهره مضروب مطعون فيكف يحترز عن الأذى ويختار العذاب الأكبر ؟ ّ.
٤٦٢


الصفحة التالية
Icon