جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٤٩١
وقال أبو البقاء : أو بمعنى إلاَّ أَنْ، أو حَتَّى.
( " فصل " معنى قوله : تقاتلونهم أن يسلمون إشارة إلى أن أحدهما يقع ؛ لأن " أو " تبين
٤٩٣
المتغايرين وتُنْبِىءُ عن الحصر، يقال : العدد زوجٌ أو فردٌ، ولهذا لا يصح قوله القائل : هذا زيدٌ أو ابن عمرو ؛ أذا كان زيد ابن عمرو ؛ إذا علم هذا فقول القائل : أُلاَزِمُكَ أَوْ تَقضينِي حَقِّي معناه أن الزمان انحصر في قسمين : قسم يكون فيه الملازمة، وقسم يكون فيه قضاءُ الحق فيكون قوله :" أُلاَزِمُكَ أو تقضيني "، كقوله : ألازمك إلى أن تقضيني، لامتداد زمان الملازمة إلى القضاء).
قوله :﴿فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً﴾ يعني الجنة ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ﴾ تُعْرِضُوا ﴿كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ﴾ عام الحديبية ﴿يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ وهو النار، فلما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة : كيف بنا يا رسول الله ؟ فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ ﴿لَّيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ﴾ أي في التخلف عن الجهاد ﴿وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾.
وذلك لأن الجهادَ عبارة عن المقاتلة والكرِّ والفَرِّ، وهؤلاء الثلاثةلا يمكنهم الإقدام على العدو والطلب، ولا يمكنهم الاحتراز والهرب.
وفي معنى الأعرج الأَقْطَعُ المُقْعَد بل أولى أن يعذر، ومن به عَرَجٌ لا يمكنه من الكرِّ والفرِّ لا يعذر، وكذلك المرض الذي لا يمنع من الكر والفر كالطّحال والسُّعال وبعض أوجاع المفاصل إذا لم يُضْعِفْهُ عن الكرِّ والفر، فهذه الأعذار في نفس المجاهد، وتبقى أعذار خارجة، كالفقر الذي لا يمكن صاحبه من ستصحاب ما يحتاج له وكذا الاشتغال بمن لولاه لضاع كطفلٍ أو مريضٍ.
والأعذار المبيحة مذكورة في كتب الفقه.
وقدم الأعمى على الأعرج، لأن عذر الأعمى يستمر ولو حضر القتال، والأعرج إن حضر راكباً أو بطريق يقدر على القتال بالرمي وغيره.
قوله :﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً﴾ قرأ أهل المدينة والشام ندخله ونعذبه بالنون فيهما.
وقرآ الآخرون بالياء لقوله :﴿ومن يطع الله ورسوله﴾.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٤٩١
قوله تعالى :﴿لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ...
﴾ الآية لما بين حال المخلفين بعد قوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ [الفتح : ١٠] عاد إلى بيان حال المبايعين.
قوله :﴿إِذْ يُبَايِعُونَكَ﴾ منصوب بـ " رَضِيَ " و " تَحْتَ الشَّجَرَة " يجوز أن يكون متعلقاً بـ " يُبَايِعُونَكَ " وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من المفعول.
( " فصل " المعنى : يبايعونك بالحديبية على أن يناجزوا قريشاً، ولا يفروا.
وقوله :" تَحْتَ الشَّجَرَة " وكانت سمرة قال سعيد بن المسيب : حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله ـ ﷺ ـ تحت الشجرة قال : فلما خرجنا من العام المقبل نَسِيناها فلم نقدر عليها.
وروي أن عمر بن الخطاب مرّ بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة فقال : أين ؟ فجعل بعضهم يقول : ههنا، وبعضهم ههنا، فلما كثر اختلافهم قال : سيروا قد ذهبت الشجرة.
وروى جابر بن عبدالله قال :" قَالَ لَنَا رسول الله ـ صلى الله عليه سولم ـ يوم الحديبية أنتم خير أهل الأرض، وكنا ألفاً وأَرْبَعَمِائةٍ ولو كنت أبصر اليوم لأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَة.
وروى سالم عن جابر عن رسول الله ـ ﷺ ـ قال : لاَ يَدْخُلُ النار أحَجٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) ".
قوله :﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ من الصدق والوفاء ﴿فَأنزَلَ السَّكِينَةَ﴾ الطمأنينة والرضا " عَلَيْهِمْ " فإن قيل : الفاء للتعقيب وعلم الله قبل الرضا ؛ لأن علم ما في قلوبهم من الصدق فرضي عنهم فكيف يفهم التعقيب في العلم ؟ فالجواب : قال ابن الخطيب : إن قوله تعالى :﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ متعلق بقوله :﴿إِذْ يُبَايِعُونَكَ﴾ كما تقول :" فَرِحْتُ أَمس إِذْ كَلَّمت زَيْداً فَقَامَ لي، وإذْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَكْرَمِني " فيكون الفرح بعد الإكرام مرتباً كذلك ههنا قال تعالى :﴿لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ...
فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ من الصدق إشارة ألى أن الرضا لا يكون
٤٩٥