الْحَرَامِ} أن تطوفوا فيه " وَالهَدْيَ " أي وصدوا الهدي وهي البُدْنُ التي ساقها رسول الله ـ ﷺ ـ وكانت سبعينَ بدنةً " مَعْكُوفاً " محبوساً، يقال : عَكَفَهُ عَكْفاً إذا حبسه، وعُكُوفاً، كما يقال : رَجَعَ رَجْعاً ورُجُوعاً ﴿أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ مَنْحَرَهُ، وحيث يحِلّ نحرُه يعني الحرم.
ثم قال :﴿وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ﴾ يعني المستضعفين بمكة).
قوله :﴿لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ﴾ صفة للصِّنْفين، وغلب الذكور، وقوله :﴿أَن تَطَئُوهُمْ﴾ يجوز أن يكون بطلاً من " رجال ونساء "، وغلب الذكور ـ كما تقدم ـ وأن يكون بدلاً من مفعول تَعْلَمُوهُمْ، فالتقدير على الأول : ولولا وطءُ رجالٍ ونساءٍ غيرِ معلومين، وتقدير الثاني : لم تَعْلَمُوا وَطْأَهُمْ، والخبر محذوف تقديره : ولولا نساء ورجال موجودون أو بالحَضْرَةِ.
(وأما جواب " لولا " ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه محذوف، لدلالة جواب " لو " عليه.
والثاني : أنه مذكور وهو " لَعَذَّبْنَا " وجواب " لو " هو المحذوف فحذف من الأول لدلالة الثاني، ومن الثاني لدلالة الأول.
والثالث : أن " لعذبنا " جوابهما معاً.
وهو بعيد إن أراد حقيقة ذلك.
وقال الزمخشرري قريباً من هذا فإنه قال : ويجوز أن يكون :" لَوْ تَزَيَّلُوا " كالتكرير لِلَوْلاَ رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ لمرجعهما إلى معنى واحد، ويكون " لَعَذَّبْنَا " هو الجواب.
ومنع أبو حيان مرجعهما لمعنى واحد، قال : لأن ما تعلق به الأَوَّل غيرُ ما تعلَّق به الثاني).
فصل المعنى " لم تعلموهم " لم تَعْرِفُوهُم ﴿أَن تَطَئُوهُمْ﴾ بالقتل وتُوقعوا بهم.
﴿فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ﴾.
قال ابن زيد إثم ذلك لأنكم ربما تقتلوهم فيلزمكم الكفَّار، وهي دليل الإثم، لأن الله تعالى أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يعلم إيمانه الكفارة دون الدِّيَةِ ؛ قال تعالى :﴿فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾
٥٠٣
[النساء : ٩٢].
وقال ابن إسحاق : غُرم الدية.
وقيل : إن المشركين يعيبوكم ويقولون قتلوا أهل دينهم وفعلوا بإخوانهم ما فعلوا بأعدائهم والمَعَرَّةُ السُّبَّة يقول لولا أن تطئوا رجالاً مؤمنينَ ونساءً مؤمناتٍ لا تعلموهم فيلزمكم به كفارة ويلحقكم به سُبَّة لأذن لكم في دخولها ولكنه حال بينكم وبين ذلك.
قوله :" فَتُصِيبَكُمْ " نَسَقٌ على ﴿فَتُصِيبَكمْ﴾ وقوله ﴿أَن تَطَئُوهُمْ﴾ يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لـ " مَعَرَّة " وأن يكون حالاً من مفعول " تُصيبُكُمْ " وقال أبو البقاء : مِنَ الضمير المجرور يعني في " منهم ".
ولا يظهر معناه.
أو أن يتعلق " بتصيبكم " أو أن يتعلق " بتطئوهم " ؛ أي تطئوهم بغير علم.
(فإن قيل : هذا تكرار، لأنه إن قلنا : هو بدل عن الضمير يكون التقدير : لم تعلموا أن تَطَئُوهُمْ بغير علم فيلزم تكرار بغَيرِ عِلْمٍ لحصوله بقوله : لَمْ تَعْلَمُوهُمْ ؟.
فالجواب : أن يقال : قوله :" بِغَيْرِ عِلْمٍ " هو في موضعه أي فتصيبكم منهم مَعَرَّةٌ بغير علم من (الذي) يعرّكم ويعيبُ عليكم، يعني إن وَطَأتُمُوهُمْ غير عالمين يعركم (مَسبَّة) الكفار " بغير علم " أي بجهل لأنهم لا يعلمون أنكم معذورون فيه.
أو يقال تقديره : لم تعلموا أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم فيكون الوطء الذي يحصل بغير علم معذورين فيه.
أو نقول : المعرَّة قسمان : أحدهما : ما يحصل من القتل العمد والعدوان ممن هو غير عالم بحال المحِلّ.
والثاني : ما حصل من القتل خطأ وهو عند عندم العلم فقال : تصبيكم منهم معرة بغير علم لا التي تكون عند العلم).
والوَطْءُ هنا عبارة عن القَتْلِ والدَّوْسِ، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" اللَّهُمَ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ " وأنشدوا : ٤٤٩٥ـ وَوَطِئْتَنَا وَطْاً عَلَى حَنَقٍ
وَطْءَ المُقَيَّدِ ثَابِتَ الهَرَمِ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٥٠٠
٥٠٤