قوله :﴿وَاعْلَمُوا ااْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ فاتقوا الله أن تقولوا باطلاً أو تكذِّبوه فإن الله يخبرُه ويعرفُه أحوالكم فتفْتَضِحُوا.
قوله :﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ﴾ يجوز أن يكون حالاً إما من الضمير المجرور في قوله :" فِيكُمْ " وإمَّا من المرفوع المستتر في " فِيكُمْ " لوقوعه خبراً.
ويجوز أن يكون مستأنفاً، إلا أنّ الزمخشري منع هذا، لأدائه إلى تنافر النظم.
ولا يظهر ما قاله بل الاستئناف واضحٌ أيضاً.
وأتى بالمضارع بعد " لو " دلالة على أنه كان في إرادتهم استمرارُ عمله على ما يَسْتَصوبُونَ.
فصل نقل ابن الخطيب أن الزمخشريَّ قال : وجه التعليق هو أن قوله :" لو يطيعكم " في تقدير حال الضمير المرفوعه في قوله : فيكم، والتقدير : كائن فيكم أو موجود فيكم على حالٍ تريدون أن يُطِيعَكُمْ أو يفعل باستصوابكم فلا ينبغي أن يكون على تلك الحال لو فعل ذلك لَعِنتُّمْ أي وقعتم في شدة أو أَثِمْتُمْ وهَلَكْتُمْ والعَنَتُ الإثْمُ والهَلاَكُ.
ثم قال :﴿وَلَـاكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الأِيمَانَ﴾.
وهذا خطاب مع بعض المؤمنين غير المخاطبين بقوله :" لَوْ يُطِيعُكُمْ ".
قال الزمخشري : اكتفى بالتغير في الصفة واختصر، ولم يقل : حبَّب إلى بعضكم الإيمان وقال أيضاً بأن قوله تعالى :" لَوْ يطيعكم " بدل " أطاعكم " إشارة إلى أنهم كانوا يريدون استمرار تلك الحالة ودوام النبي ـ ﷺ ـ على العمل باستصوابهم لكن يكون ما بعدها على خلاف ما قبلها.
وههنا كذلك، غن لم يحصل الخالفة بصريح اللفظ ؛ لأن اختلاف المخاطبين في الوصف يدلنا على ذلك، لأن المخاطبين أولاً بقوله :" لَوْ يُطِيعُكُمْ " هم الذين أرادوا أن يكون عملهم لمراد النبي ـ ﷺ ـ هذا ما قاله الزمخشري، واختاره وهو حسن قال : والذي يَجُوز أنْ يقال وكأنه هو الأقوى أن الله تعالى قال :﴿إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ااْ﴾ واكشفوا.
(ثم) قال بعده :
٥٣٣
﴿وَاعْلَمُوا ااْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ أي الكشف سهل عليكم بالرجوع إلى النبي ـ ﷺ ـ فإنه فيكم مبيِّن مُرْشد، وهذا كما يقول القائل عند اختلاف تلاميذ الشيخ في مسألة : هذا الشَّيْخُ قاَعئدُ، لا يريد به بيان قعوده وإنما يريد أمرهم بمراجعته ؛ لأن المراد لا يطيعكم في كثير من الأمر، وذلك لأن الشيخ إذا كان يعتد على قول التلاميذ لا يطمئن قلوبهم بالرجوع إليه وإن كان لا يذكر إلا النقل الصحيح وتقريره بالدليل القوى يراجعه كل ألأحد فكذلك ههنا فاسترشدوه فإنه يعلم ولا يطيع أحداً فلا يوجد كفيه حيف ولا يروج عليه زيف.
والذي يدل عليه أن المراد من قوله :﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ لبيان امتناع الشرط لامتناع الجزاء، كما في قوله تعالى :﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء : ٢٢] وقوله :﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾ [النساء : ٨٢] وذلك يدل على أنه ليس فيهما آلهة وأنه ليس من عند غير الله.
قوله :﴿وَلَـاكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الأِيمَانَ﴾ ها استدراك من حيث المعنى لا من حيث اللفظ لأن من حبب إليه الإيمان غايرت صفتُهُ صفة من تقدَّم ذِكْرُهُ.
فصل ﴿حبب إليكم الإيمان﴾ فجعله أحبّ الأديان إليكم " وزَّيَّنَهُ " حسنه " فِي قُلُوبِكُمْ " حتى اخترتموه ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ﴾ قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ يريد الكذب " والعِصْيَانَ " جميع مَعَاصِي الله.
ثم عاد من الخطاب إلى الخبر فقال :﴿أُوْلَـائِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾.
فصل قال ابن الخطيب : بعد ذكره الكلام المتقدم : وهذا معنى الآية جملةً فلنذكْره تفصيلاً في مسائل : المسألة الأولى : لو قال قائل : إذا كان المراد بقوله :﴿واعلموا أن فيكم رسول الله﴾ الرجوع إليه فلم يصرح بقوله :" فَتَبَيَّنُوا " وراجعوا النبِيَّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ ؟ وما الفائِدة في العدول إلى هذا المجاز ؟ نقول : فائدته زيادته التأكيد لأنَّ قول القائل في المثال المقتدم : هذا الشيخ قائد آكد في وجوب المراجعهة من قوله : رَاجعُوا شَيْخَكُم ؛ لأن القائل يجعل وجوب مراجعته متفقاً عليه ويجعل سبب عدم الرجوع عدم علمهم
٥٣٤