إذا وضع لواحدٍ وعَلاَ عليه لا يكون معناه موجوداً فإن من سمي سَعْداً وسَعِداً قد لا يكون كذلك وكذلك من لُقّب إمام الدين أو حُسَام الدّين لا يفهم منه أنه كذلك وإنما هو علامة، وكذلك النَّبز، فإن من سمي مروان الحمار لم يكن كذلك فكأنه تعالى قالك لا تَتَكَبَّرُوا فَتَسْتَحْقِروا إخوانكم بحيث لا تلتفوا إليهم إصلاً، وإذا نزلتم عن هذا فلا تَعيبُوهم طالبين حَطَّ درجتهم وإذا تَعِيبُوهم ولم تصفوهم بما يسوؤم فلا تُسَمُّوهم بما يكرهُونه.
فصل قال ابن الخطيب : القَوْمُ اسم يقع على جمع من الرجال ولا يقع على النساء ولا على الأطفال لأنه جمع قائم والقائم بالأمور هو الرجال وعلى هذا ففي إفراد الرجال والنساء فائدة وهي أن عدم الالتفات والاستحقار إنما يصدر في أكثر الأمر من الرجال بالنسبة إلى الرجال ؛ لأن المرأة في نفسها ضعيفة ؛ قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" النِّسَاءُ لَحْمٌ على وَضَم " فالمرأة لا يوجد منها استحقار الرجل لأنَّها مضطرة إليه في رفعش حوائِجِها وأما الرجال بالنسبة إلى الرجال والنساء بالنسبة إلى النساء فإنه يوجد فيهم ذلك.
فصل في قوله :﴿عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ﴾ حكمة وهي أنهم أذا وجد منهم التَّكَبُّر المُفْض] إلى إحباط الأعمال وجعل نفسه خيراً منهم، كما فعل إبليس حيث لم يلتفت إلى آدم وقال :" أَنَا خَيْرٌ منه " فصار هو خيارً منه، ويحتمل أن يكون المراد بقوله :" يكونوا " أي يصيروا، فإن من استحقر إنساناً لفقره أو ضَعْفِهِ لا يأم أن يفتقر هو ويستغني الفقير ويضعف هو ويَقْوَى الضعيفُ.
فصل في قوله :﴿وَلاَ تَلْمِزُوا ااْ أَنفُسَكُمْ﴾ وجهان : أحدهما : أن عيب الأخ عائد إلى الأخ فإذا أعابه فكأنه أعاب نَفْسَه.
والثاني : أنه إذا عابه وهو لا يخلو من عيب فيعيبه به المعاب فيكون هو بمعيبه حاملاً للغير على عيبه فكأنه هو العائب نفسه ونظيره قوله تعالى :﴿وَلاَ تَقْتُلُوا ااْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء : ٢٩].
ويحتمل أن يقال : لا تعيبوا أنفسكم أي كل واحد منكم مُعَيَّب فإنكم إن فعلتم فقد
٥٤٧
عبتم أنفسكم أي كل واحد عاب واحد فصِرْتُمْ عائِبِينَ من وجه مُعيََّبين من وجه.
وهذا ههنا ظاهر ولا كذلك في قوله :" وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ".
فصل قال :" وَلاَ تَنَابَزُوا " وَلَمْ يقُل : ولا تَنْبزُوا لأن الامِزَ إذا لَمَزَ فالمَلْمُوز قد لا يجد فيه في الحال عيباً يَلْمِزُهُ به وإنما يبحث ويتتبّع ليطلع منه على عيب فيوجد اللمز في جانب.
وأما النَّبْزُ فلا يعجز كل أحد عن الإتيَانِ بِنَبْزٍ، فالظاهر أن النَّبْزَ يُفْظِي في الحال إلى التَّنَابز، ولا كذلك اللمزُ.
فصل قال المفسرون : اللقب هو أن يدعي الإنسان بغير ما يُسَمَّى به، وقال عكرمة : هو قول الرجل للرجل يا فاسقُ، يا منافقُ، يا كَافرُ.
وقال الحسن : كان اليهودي والنصرانيّ يسلم، فيقال له بعد إسلامه، يا يهوديّ يا نصرانيّ فنهوا عن ذلك، وقال عطاء : هو أن يقول الرجل لأخيه : يا حمارُ يا خنزيرُ.
، وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) : التنابز بالألقاب أن يكون الرجلُ عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعيَّر بما سلف من عمل.
قوله :﴿بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإَيمَانِ﴾ أي بئسَ الاسمُ أن يقول له : يا يَهُودِيُّ يا فاسِقُ بعدما آمَن.
وقيل : معناه من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق وبئس الاسم الفسصوق بعد الإيمان فلا تفعلوا ذلك فستحقوا اسم الفسوق.
ثم قال :﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ﴾ أي من ذلك ﴿فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.
قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ...
الآية.
قيل : نَزَلَتْ في رَجُلَيْن اعتابا رفيقهما، " وذلك أن رسول الله ـ ﷺ ـ كسان غزا أو سافر ضم الرجل المحتاج إلى رَجُلَيْن مُوسِرَيْن يخدمهما ويقتدم لهما إلى المنزل فيهيّيء لهما طعامَهُمَا وشرابهما فضم سلمان الفارسي إلى رجلين في بعض أسفاره فتقدم سلمانُ الفارسي إلى المنزل فغلبته عيناه فَلَمْ يُهيّىءْ لهما فلما قدما قالا له ما صَنَعْتَ شيئاً ؟ قال : لا غلبتني عَيْنَاي، قالا له : انطلق إلى رسول الله ـ ﷺ ـ واطلب لنا منه طعاماً، فجاء سلمان إلى رسول الله ـ ﷺ ـ وسأله طعاماً، فقال له رسول الله ـ ﷺ ـ : انطلق إلى أسامة بن زيد وقل له : إن كان عند فضلٌ من طعام فَلْيُعْطِكَ ؛ وكان أسامة خازن رسول الله ـ ﷺ ـ وعلى رَحْلِه فأتاه فقال ما عندي شيء فرجع سَلْمَانُ إليهما فأخبرهما فقالا : كمان عند أسامةم ولكن بَخِلَ
٥٤٨


الصفحة التالية
Icon