قوله :﴿وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي ظاهراً وباطناً سراً وعلانية.
قال ابن عباس : تُخْلِصُوا الإيمان.
قوله :" لاَ يَلتكُمْ " قرأ أبو عمرو :" لا يألتكم " بالهمز من أَلَتَهُ يَأْلِتُهُ بالفتح في الماض والكسر والضم في المضارع لقوله :﴿وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ [الطور : ٢١] والسُّوسِيّ يبدل الهمزة ألفاً على أصله.
والباقون :: يُلِتْكُمْ " من لاَتَهُ يليتُه كَباعَهُ يَبِيعُهُ.
وهما لغتان معناهما لا يَنْقُصُكُمْ، فالأولى لغة غَطَفَان وأسدٍ والثانية لغة الحِجَاز، يقال : أَلتَ يأْلُتُ أَلْتاً، ولاَتَ يِليتُ لَيْتاً، وقيل : هي من وَلَتَهُ يَلِتُهُ كوَعَدَهُ يَعِدُهُ، فالمحذوف على القول الأولى عينٌ الكلمة ووزنها : يَفِلْكُمْ وعلى الثاني فاؤها، ووزنها يَعِلْكُمْ ويقال أيضاً ألاَتَهُ ليتُه كأَبَاعَهُ يُبِيعُهُ وآلَتَهُ يُؤْلِتُهُ كآمن يُؤْمِنُ.
وكلّها لغات في معنى نَقَصَهُ حَقَّهُ، قال الحطيئة : ٤٥٠٤ـ أَبْلِغْ سَرَاة بَنِي سَعْدٍ مُغَلْغَلَةً
جَهْدَ الرِّسَالَةِ لاَ أَلْتاً ولاَ كَذِبَا
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٥٥٨
وقال رؤبة : ٤٥٠٥ـ ولَيْلَةٍ ذَاتِ نَدًى سَرَيْتُ
وَلَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُرَاهَا لَيْتُ
٥٦١
أي لم يمنعني ويَحْبِسْنِي.
فصل قال ابن الخطيب : معنى قوله :( " لاَ يَلِتْكُمْ " ) لا يَنْقُصُكُم، المراد منه أنكم إذا أتيتم بما يليق بضعِّفكُم من الحسنة فهو يؤتيتكم به من الجزاء ؛ لأن من حمل إلى ملك فاكهة طيبةً يكون ثمنها في السوق درهماً فأعطاه الملك درهماً انتسب الملك إلى البخل، وإما معناه ألاّ يُعْطِي مثل ذلك من غير نقص أي يعطي ما تتوقعون بأعمالكم من غير نقص.
ثم قال :﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي يغفر لكم ما قدم سلق ويرحمكم بما أتيتم به.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٥٥٨
قوله تعالى :﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ هذاإرشاد للذين قالوا آمنّا ؛ بين لهم حقيقة الإيمان فقال : إنْ كُنتمْ تريدون الإيمان فالمؤمن من آمن بالله ورسوله ﴿ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ﴾ أي لم يشكوا في دينهم وأيقنوا بأن الإيمان إيقانٌ.
و " ثُمَّ " للتراخي في الحكاية كأنه يقول : آمنوا ثم أقول شيئاً آخر لم يرتابوا.
ويحتمل أن تكون للتراخي في الفعل، أي آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا فيما قال النبي ـ ﷺ ـ من الحشر والنَّشْر ﴿وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي ايقنوا أن بعده هذه الدار دارٌ أخرى فجاهدوا طالبين العُقْبَى ﴿أُوْلَـائِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ في إيمانهم.
فإن قيلأ : كيف يجوز أن يكذبوا في الإسلام، والإسلام هو الانقياد وقد وجد منهم قولاً وفعلاً، وإن لم يوجد اعتقاداً أو علماً، وذلك القدر كاف في صدقهم في قولهم : إِنَّا أَسْلَمْنَا ؟ !.
فالجواب : إن التكذيبَ يقع الى وجهين : أحدهما : إن لا يوجد نفس المخبر عنه.
والثاني : إن لا يوجد كما أخبر في نفسك، فقد يقول له : ما جئتنا بلْ جئتَ
٥٦٢


الصفحة التالية
Icon