جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٣
قال المفسرون : أراد بالقعيد اللازم الذي لا يبرح لا القائم الذي هو عند القائم.
وقال مجاهد : القَعِيدُ : الرصيد.
قوله :﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ﴾ أي ما يتكلم من كلام فيلقيه أي يرميه من فيه ﴿إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ حافظ حاضر.
وقرأ العامة " يَلْفِظُ " بكسر الفاء.
ومحمد بن (أبي) مَعْدَان بفتحها.
وَ " رَقِيبٌ عَتِيدٌ " قيل : هو بمعنى رقيبان عتيدان أينما كان.
قال الحسن (رضي الله عنه) إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالتين عند غَائِطِهِ، وعند جَمَاعِهِ.
وقال مجاهد : يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه، وقال عكرمة : لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه
٢٦
ويُوزَرُ فيه.
وقال الضحاك : مَجْلِسُهُمَا تحت الشعر على الحَنَك ومثله عن الحسن يعجبهُ أن ينظف عَنْفَقَتَه.
وروى أبو أُمامة قال : قال رسول الله - ﷺ - " كاتب الحسنات على يمين الرَّجل وكاتِبُ السَّيئات على يسار الرَّجُلِ وَكَاتِبُ الْحَسَنَاتِ أَمِينٌ عَلَى كَاتِبِ السَّيِّئاتِ، فَإذَا عَمِلَ حَسَنةً كَتَبَهَا صَاحِبُ الْيَمِينِ عَشْراً، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً قَالَ صَاحِبُ الْيَمِينِ لِصَاحِبِ الشِّمَالِ : دَعْهُ سَبْعَ سَاعَاتٍ لَعَلَّهُ يُسَبِّحُ أَوْ يَسْتَغْفِرُ ".
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٣
قوله :﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ﴾ أي غمرته وشدته التي تغشى الإنسان وتجلب على عقله.
قوله :" بالْحَقِّ " يجوز أن تكون الباء للحال أي مُلْتَبسةً بالحقّ والمعنى بحقيقة الموت، ويجوز أن تكون للتعدية والمراد منه الموت فإنه حق كأن شدة الموت تحضر الموت، يقال : جاء فلان بكذا أي أحضره، وقيل : بالحق من أمر الآخرة حتى يتبينه الإنسان ويراه بالعَيَان.
وقيل : بما يَؤُول إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاوة.
وقرأ عبد الله : سَكَرَاتُ.
ويقال لمن جاءته سكرة الموت : ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تحيد أي تميل، من حَادَ عن الشيء يَحِيدُ حُيُوداً وحُيُودَةً وحَيْداً.
وقال الحسن : تهرب، وقال ابن عباس - (رضي الله عنهما - ) تكره وأصل الحَيْدِ : الميلُ، يقال : حُدْتُ عن الشيء أَحِيدُ حَيْداً ومَحِيداً إذا مِلْت عنه، و " ذلك " يحتمل أن يكون إشارة إلى الموت وأن يكون إشارة إلى الحق.
والخطاب قيل مع النبي - ﷺ -.
قال ابن الخطيب : وهو مُنْكَر، وقيل : مع الكافر.
وهو أقرب.
والأقْوى أن يقال : هو خطاب عامٌّ مع السامع.
٢٧
قوله :﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ عطف على قوله :﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ﴾ يعني نفخة البعث ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ﴾ الذي وعد الكفار أن يعذبهم فيه.
قال الزمخشري :" ذلك " إشارة إلى المصدر الذي هو قوله :" وَنُفِخَ " أي وقت ذلك النفخ يوم الوعيد.
قال ابن الخطيب : وهذا ضعيفٌ ؛ لأن " يوم " لو كان منصوباً لكان ما ذكره ظاهراً، وأما رفع " يوم " فيفيد أن ذلك نفس اليوم، والمصدر لا يكون نفس الزمان وإنما يكون في الزمان.
فالأولى أن يقال :" ذلك " إشارة إلى الزمان المفهوم من قوله :" ونفخ " لأن الفعل كما يدل على المصدر يدل على الزمان فكأنه قال تعالى : ذلك الزمان يوم الوعيد، والوعيد هو الذي أَوْعَدَ به من الحَشر، والمجازاة.
قوله :﴿وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ قيل : السائق هو الذي يسوقه إلى الموقف ومنْه إلى مقعده، والشهيدُ هو الكاتب.
والسائق لازم للبرِّ والفَاجِرِ، أما البَرُّ فيساق إلى الجنة وأما الفاجر فإلى النار، قال تعالى :﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ااْ إِلَى جَهَنَّمَ...
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى الّجَنَّةِ﴾ [الزمر : ٧١ - ٧٣]، والشهيد يشهد عليها بما عملت.
قال الضحاك : السائق من الملائكة والشاهد من أنفسهم الأيدي والأرجل، وهي رواية العَوْفي عن ابن عباس.
وقيل : هما جميعاً من الملائكة.
قوله :" مَعَهَا سَائِقٌ " جملة في موضع جر صفة " لِنَفسٍ " أو في موضع رفع صفة " لكُلّ " أو في موضع نصب حالاً من " كُلّ ".
والعامة على عدم الإدغام في " معها " وطلحة على الإدغام " مَحَّا " بحاءٍ مشددة، وذلك أنه أدغم العين في الهاء، ولا يمكن ذلك فقلبت الهاء حاء ثم أدغم فيها العين فقلبها حاءً.
وسمع : ذَهَبَ مَحُّمْ أي معهم.
وقال الزمخشري : ومحل " مَعَهَا سَائقٌ " النصب على الحال من " كُلّ " ؛ لتعرفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة.
وأنْحى عليه أبو حيان وقال : لا يقولُ هذا مبتدئٌ في النحو، لأنه لو نعت " كُلُّ نَفْسٍ " مَا نعت إلا بالنكرة.
قال شهاب الدين : وهذا منه غير مرض إذ يعلم أنه لم يرد حقيقة ما قاله.
٢٨