ونسب أبو حيان قراءة الياء من تحت هنا لابن كثير، وأبي عمرو، وإنما هي عن ابن كثيرٍ وَحْدَهُ.
فصل والأواب الرَّجَّاعُ، قيل : هو الذي يَرْجِعُ عن الذنوب إلى الاستغفار والطاعة، قال سعيد بن المُسَيِّب : هو الذي يُذْنبُ ثم يتوب، ثم يُذْنِبُ ثم يتوبُ.
وقال الشَّعْبِيُّ ومجاهدٌ : هو الذي يذكر ذنوبهُ في الخَلاَءِ فيستغفر منها.
وقال عطاء، وابن عباس : هو المسبِّح من قوله :﴿يا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ [سبأ : ١٠] وقال قتادة : هو المصلِّي.
والْحَفِيظُ : هو الذي يحفظ تَوبته من النّقص.
وقال ابن عباس - (رضي الله عنهما) - هو الذي يحفظ ذُنُوبَهُ حتَّى يرجع عنها ويستغفر منها.
وقال ابن عباس أيضاً : الحفيظ لأمر الله، وقال قتادة الحفيظ لما استودعه الله من حقِّه.
والأوَّابُ والحفيظ كلاهما من باب المبالغة أي يكون كثيرَ الأَوْبِ شديدَ الحِفْظِ.
قوله :" مَنْ خَشِيَ " يجوز أن يكون مجرور المَحَلّ بدلاً، أو بياناً لـ " كُلّ ".
وقال الزمخشري : يجوز أن يكون بدلاً بعد بدل تابعاً لكل.
انتهى.
يعني أنه بدل من كل بعد أن أبدلت " لكلّ " من " لِلْمُتَّقِينَ ".
ولم يجعلْه بدلاً آخر من نفس " لِلْمُتَّقِينَ " لأنه لا يتكرر البدل والمبدل منه واحد.
ويجوز أن يكون بدلاً من موصوف " أَوَّابٍ وحَفِيظٍ " قاله الزمخشري.
يعني أن الأصل لكلّ شخص أوابٍ، فيكون " مَنْ خَشِيَ " بدلاً من " شَخْص " المقدر.
قال : ولا يجوز أن يكون في حكم " أواب وحفيظ " ؛ لأن " مَنْ " لا يوصف بها، لا يقال : الرجلُ مَنْ جاءني جالسٌ، كما يقال : الرجل الذي جَاءَني جالسٌ.
والفرق بينهما يأتي في الفصل بعده.
ولا يوصف من بين الموصولات إلاَّ بالَّذي يعني بقوله :" في حكم أواب " أن يجعل من صفة.
وهذا كما قال لا يجوز، إلا أنَّ أبا حَيَّانَ استدرك عليه الحَصْرَ وقال : بل يوصف بغير الذي من الموصولات كوصفهم بما فيه أل الموصوفة، نحو : الضَّارِبُ والمَضْرُوب، وكوصفهم بذُو وذاتِ الطَّائِيَّتَين نحو قولهم :" بالْفَضْلِ ذُو فَضَّلَكُم اللَّهُ بِهِ، والْكَرَامَةِ ذات أَكْرَمَكُمْ بِهِ ".
٣٩
وقد جوز ابن عطية في :" مَنْ خَشِيَ " أن يكون نعتاً لما تقدم.
وهو مردود بما تقدم.
ويجوز أن يرتفع : مَنْ خَشِيَ على أنه خبر ابتداءٍ مضمر أو ينصب بفعل مضمر، وكلاهما على القطعِ المُشْعِر بالمَدْحِ، وأن يكون مبتدأ خبره قولٌ مضمر ناصبٌ لقوله : ادْخُلُوها وحُمِلَ أولاً على اللفظ وفي الثَّاني على المَعْنَى.
وقيل : مَنْ خَشِيَ منادى حذف منه حرف النداء أي يَا مَنْ خَشِيَ ادْخُلُوهَا باعتبار الجملتين المتقدمتين وحَذْفُ حرف النداء سائغٌ.
وأن تكون شرطية وجوابها محذوف هو ذلك القول، ولكن ردّ معه فاء أي فيقال لهم.
و " بالْغَيْبِ " حال أي غائباً عنه، فيحتمل أن يكون حالاً من الفاعل أو المفعول أو منهما، وقيل : الباء المسببة أي خشيةً بسبب الغَيْب الذي أوعد به من عذابه.
ويجوز أن يكون صفة لمصدر خشي أي خَشِيهُ خشْيَةً مُلتَبِسَةً بالْغَيْبِ.
فصل قال ابن الخطيب : إذا كان " مَنْ والَّذي " يشتركان في كونهما من الموصولات فلماذا لا يشتركان في جواز الوصف بهما ؟ فنقول :" ما " اسم مبهم يقع على كل شيء فمفهومه هو شيء، لكن الشيء هو أعم الأشْياء فإن الجَوْهَرَ شيء، والعَرَضَ شيء، والواجب شيء، والممكن شيء، والأعَمُّ قبل الأخص في الفهم لأنك إذا رأيت شيئاً من البعد تقول أولاً : إنَّه شيء، ثم إذا ظهر لك منه ما يختص بالناس تقول : إنسان، فإذا بان لك أنه ذكر قلت : إنه رجل، فإذا وجدته ذا قوة تقول : شجاعٌ إلى غير ذلك فالأعَمّ أعرف، وهو قبل الأخَص في الفهم، فلا يجوز أن يكون صفة، لأنَّ الصفة بعد الموصوف.
هذا من حيث المعقول، وأما من
٤٠


الصفحة التالية
Icon