حيث النَّحْو، فلأن الحقائق لا يوصف بها، فلا يقال : جِسْمُ رَجُلٍ جَاءَنِي، كما يقال : جِسْمُ نَاطِقٍ جَاءَنِي ؛ لأنَّ الوصف يقوم بالموصوف والحقيقة تقوم بنفسها لا بغيرها.
فقولنا : عالم أي شيء له علم.
فصل والخَشْيَةُ والخَوْفُ معناهما واحد عند أهل اللغة، لكن بينهما فَرْقٌ، وهو أن الخشيةَ خوفٌ من عَظَمَةِ المَخْشِيِّ، لأن تركيب حروف " شَ يَ خَ " في تقاليبها يلزمه معنى الهيبة، يقال : شَيْخٌ لِلسَّيِّدِ وللرجل الكبير السِّنِّ، وهما جميعاً مَهِيبَان والخوف خشيةٌ من ضعف الخاشي، لأنَّ تركيب " خَ وَ ف " في تقاليبها يدل على الضعف، ويدل على ذلك أنه حيث كان الخوف من عظمة المخشيّ قال تعالى :﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر : ٢٨]، وقال :﴿هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ﴾ [المؤمنون : ٥٧] مع أن الملائكة والجبل أقوياء وحيث كان الخوفُ من ضعف الخاشِي سماه خوفاً قال تعالى :﴿أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ﴾ [فصلت : ٣٠] أي بسبب مكروه يلحقكم في الآخرة.
وقال تعالى :﴿خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص : ١٨] وقال :" إنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ " لوحدته وضعفه هذا في أكثر الاستعمال وربما يتخلف (المُدَّعَى عنه لكن الكثرة كافية).
فصل معنى الآية من خاف الرحمن فأطاعه بالغيب، ولم يره.
وقال الضّحاك والسّدي : يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد.
قال الحسن : إذا أرخى الستر وأغلق الباب.
﴿وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ﴾ هذه صفة مدح، لأن شأن الخائف أن يَهْرب، فأما المتقي فجاء ربه لعلمه أنه لا ينجي الفِرار منه.
وقوله :" مُنِيبٍ " أي مخلص مقبل على طاعة الله تعالى.
والباء في " بِقَلْبٍ " إما للتعدية، وإما للمُصَاحَبة، وإما للسببية.
٤١
والقلب المنيب كالقلب السليم في قوله تعالى :﴿إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الصافات : ٨٤] أي سليم من الشرك.
قوله :" ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ " الجار والمجرور حال من فاعل " ادْخُلُوهَا " أي سالمين من الآفات فهي حال مقارنة، أو مسلّماً عليكم فهي حال مقدرة كقوله :﴿فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر : ٧٣].
كذا قيل وفيه نظر، إذ لا مانع من مقارنة وتسليم الملائكة عليهم حال الدخول بخلاف فَادْخُلُوهَا خالدينَ فإنه لا يعقل الخلود إلا بعد الدخول، والضمير في " ادْخُلُوهَا " عائد إلى الجنة، أي ادخلوا الجنة بسلامةٍ من العذاب والهموم وقيل : بسلام من الله وملائكته عليهم.
قوله :﴿ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ﴾ قال أبو البقاء : أي ومن ذلكَ يَوْمُ الخلود كأنّه جعل " ذَلِكَ " إشارة إلى ما تقدم من إنعام الله عليهم بما ذكره، وقيل " ذَلِك " مشارٌ به لما بعده من الزَّمان، كقولك : هَذَا زَيْدٌ.
قال الزمخشري : في قوله :﴿ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ﴾ إضمار تقديره : ذَلِكَ يَوْم تَقْرِير الخُلُود.
ويحتمل أن يقال : اليوم يُذْكَرُ ويراد به الزمان المطلق سواء كان يوماً أو ليلاً، تقول : يَوْمَ يُولَدُ لِفُلاَن يكون السرورُ العظيمُ، ولو ولد له بالليل لكان السرور حاصلاً فالمراد به الزّمان فكأنه تعالى قال : ذَلك زَمَانُ الإقامة الدَّائِمَةِ.
فإن قيل : المؤمن قد علم أنه إذا دخل الجنة خلد فيها فما فائدة القول ؟ فالجواب من وجهين : الأول : أن قوله :﴿ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ﴾ قول قاله الله في الدنيا، إعلاماً وإخباراً، وليس ذلك قولاً يقولُه عند قوله :" ادخلوها "، فكأنه تعالى أخبر في يومنا أنَّ ذلك اليوم يومُ الخلود.
٤٢
الثاني : أن اطمئنان القلب بالقول أكثر.
قوله :﴿لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا﴾ يجوز أن يتعلق " فيهَا " بـ " يشاؤون " ويجوز أن يكون حالاً من الموصول، أو من عائِدِهِ والأول أولى.
فصل ما الحكمة في أنه تعالى قال : ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ على المخاطبة، ثم قال :" لَهُمْ " ولم يقل : لَكُم ؟ فالجواب من وجوه : الأول : أن قوله تعالى :" ادْخُلُوهَا " فيه مقدر، أي فيُقَال لَهُمُ ادْخُلُوها.
فلا يكون التفاتاً.
الثاني : أنه التفات، والحكمة الجمع بين الطرفين، كأنه تعالى يقول : غير محلّ بهم في غيبتهم وحضورهم.
ففي حضورهم الحبور، وفي غيبتهم الحورُ والقُصُور.
الثالث : أنه يجوز أن يكون قوله تعالى :" لَهُمْ " كلاماً مع الملائكة، يقول للملائكة توكلوا بخدمتهم، وَاعْلَمُوا أَنّ لهم ما يشاؤون فيها فأَحْضِروا بين أيديهم ما يشاؤون، وأما أنا فعندي ما لا يخطر ببالهم ولا تَقْدِرُون أنتم عليه.
و " المزيد " يحتمل أن يكون معناه الزيادة، كقوله تعالى :﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس : ٢٦] ويحتمل أن يكون بمعنى المفعول، أي عندنا ما نَزيدهُ على ما يَرْجُون ويَأمَلُونَ.
قال أنس وجابر : هو النظر إلى وجه الله الكريم.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٦
قوله تعالى :﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا﴾ نصب بما بعده.
وقدم إما لأنه استفهام، وإما
٤٣